د. فؤاد بن يحيى الهاشمي
:: مشرف سابق ::
- إنضم
- 29 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 9,059
- الكنية
- أبو فراس
- التخصص
- فقه
- المدينة
- جدة
- المذهب الفقهي
- مدرسة ابن تيمية الحنبلية لذا فالمذهب عندنا شيء والراجح شيء آخر تماماً!.
الحلقة المفقودة في أصول الفقه
هناك حلقة مفقودة بين كتابة الشافعي وكتابة من بعده، إن كان ذلك بالنظر إلى الزمن أو إلى الموضوع.
فبالزمن فإن الشافعي قد توفي سنة 204 هـ.
والكتابات بعده تأخرت إلى ما بين قرن وقرنين وثلاثة!
نعم، تقدم الشافعي وعبقريته سمحت له بسبق زمنه في تسجيل "الرسالة"
لكن أن تتأخر الكتابة الأصولية بعده إلى هذه الأزمنة المتأخرة عنه فهذا لا يمكن تفسيره.
كما أنه لا يمكن القول إن الكتابة بدأت من التواريخ التي وصل إلينا نتاجها، لأنه ظاهرٌ جداً أن الكتابة لم تستأنف من تلك الأزمنة، فهي ليست على غرار صناعة الشافعي المبتكرة، إنما هي مبنية على ما قبلها.
إذن هناك ما كتُِبِ في الأصول ولم يصل إلينا ، هذا مقدار يمكن الجزم به.
وهذه هي الحلقة المفقودة، وإن كانت هي لدى الحنفية أقل حجماً، بسبب تأخر التصنيف لديهم بالنظر إلى تقدم الشافعي، وبسبب حفظهم للنتاج الأصولي القديم في القرن الرابع.
ولك أن تقول هي حلقة مفقودة باعتبار التدوين الأصولي الكلامي لا الحنفي.
ولك أن تقول هي حلقة مفقودة باعتبار التدوين الأصولي الكلامي لا الحنفي.
أما ما يوجه من نقدٍ إلى اتصال سند أصول الفقه.
فأيضاً هو أقرب إلى التشكيك منه إلى النقد، ولم يبن على اعتبارات علمية متمحضة.
فهناك مقدارٌ مستيقن النسبة إلى العُصُر الأولى، بل وإلى عصر التشريع.
وهناك مقدار مستيقن الغلط، ومعروف الغلط، بل وزمن الحدوث.
وهناك مقدار شاع في كتب الأصول، وفيما يرد عليه وجاهة، ويعوزه بحثٌ ونظر.
فأصول الفقه متصل السند في كتب الفقهاء، والحلقات المفقودة إنما هي في التدوين الأصولي فحسب، وأصول الفقه نفسه إنما نشأ في حجر الشافعي الفقيه.
أما الصياغة الأصولية من الباقلاني ت.403هـ. ومن بعده هي صياغة كلامية مستنيقنة، ولم تحدث إلى الساعة إعادة صياغة، وكل الواقع ما هو إلا اختصار أو إعادة ترتيب وتنسيق لا أقل ولا أكثر، أو عمليات إصلاح محدودة في نطاقات معينة داخل الإطار الكلامي.
فروضة ابن قدامة فمسودة ابن تيمية، فكتابات الشاطبي فالبحر المحيط وإرشاد الفحول فملخصات المعاصرين كلها ماشية على الترتيب والنسق الكلامي.
ولذا فعملية التجديد الأصولية الفعلية إن كانت سترى النور فلها طريق واحد فقط:
وهي إعادة الصياغة باعتبار النظر إلى تطبيقات الأئمة، فتستقرى منهم، وتستقى بطريقة أو أخرى كطريقة ابن عبد البر وطريقة ابن دقيق العيد، ثم تقعَّد على الأبواب الأصولية، وهذه الطريقة مأمونة الدخل، لأن كلام أصول الفقه فيها نابع عن عمل وأثر.
وهذه هي طريقة أصول فقه الحنفية على ما فيها من أثر كلامي واعتزالي.
وما قيل من الجمع بين طريقة المتكلمين والحنفية فهي دعوى بحاجة إلى تمحيص فالظاهر هو البقاء في الحيز الكلامي، وإنما حصل تطعيم بأصول فقه الحنفية.
ليت الذي حدث هو العكس، بالبقاء في الحيز الحنفي، ثم تطعيمه بالأدوات الكلامية..
باختصار الحلقة المفقودة في أصول الفقه – بين الشافعي والباقلاني- تم فيها تجريد الأصول من الفقه، ولم يتم إلى الساعة التقاؤهما على وجه الكمال، ولذا فالرسالة كما أنها سبق في التدوين فإنها يتيمة دهرها في الازدواج بين الفقه وأصوله.
---
ملاحظة أخرى:
للأئمة الكبار ملاحظات أصولية لا أثر لها في كتب الأصول.
والسبب في هذا أن الفقه قد وصل إلى مرحلة من النضج ، واضح الطرق، بين المعالم، مكشوف السبل.
وصياغة المتكلمين للأصول إنما كانت قراءة يغلب عليها التحليل وما غلب على علومهم.
فهي مثل طريقة ابن رشد في بداية المجتهد حين يحاول في بعض المواضع أن يتكلف سبب الخلاف، وقد يكون الأمر ليس كذلك.
وعمل ابن رشد في وقته مبرر بل ومسجل في حيز الإبداع، لكن ليس بالضرورة أن تكون هي الطريقة المثلى الآن في معرفة سبب الخلاف لانكشاف المسائل.
وقل مثل ذلك في أصول الفقه، فما كتبه الأصوليون هو ما بيدهم وهو طاقتهم بسبب الاقتصار على المادة الكلامية في جل ما كتبوا، وإن كان ما سطروه على ما فيه محسوب من جملة مبتكرات المسلمين المبكرة جداً.
وبمكنك القول بيقين تام: إن الفقه بمسائله استوعب الأصول وزيادة، والأصول لم تستوعب الأصول ولا الفقه!
التعديل الأخير: