العِلْمُ رَحِمٌ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَحَيَّ هَلاً بِكَ مُفِيْدَاً وَمُسْتَفِيْدَاً، مُشِيْعَاً لآدَابِ طَالِبِ العِلْمِ وَالهُدَى،
مُلازِمَاً لِلأَمَانَةِ العِلْمِيةِ، مُسْتَشْعِرَاً أَنَّ: (الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) [رَوَاهُ الإَمَامُ أَحْمَدُ]،
فَهَنِيْئَاً لَكَ سُلُوْكُ هَذَا السَّبِيْلِ؛ (وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) [رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ]،

مرحباً بزيارتك الأولى للملتقى، وللاستفادة من الملتقى والتفاعل فيسرنا تسجيلك عضواً فاعلاً ومتفاعلاً،
وإن كنت عضواً سابقاً فهلم إلى رحاب العلم من هنا.

إعلام الساجد بحكم تزيين المساجد.

انضم
31 مايو 2024
المشاركات
22
الإقامة
الجزائر العاصمة
الجنس
ذكر
الكنية
أبو أيمن
التخصص
أصول الفقه - فقه
الدولة
الجزائر
المدينة
الجزائر العاصمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد :
فإن مما لا شك فيه ولا ريب أن المساجد هي أفضل البقاع وأحبها إلى الله تعالى، قال-صلى الله عليه وسلم-:[أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها](1)، وما ذلك إلا لأن المساجد بيوت الطاعات وأساسها على التقوى، ففيها تقام أعظم شعيرة من شعائر الإسلام وهي الصلاة، وفيها يتلى أعظم كتاب وهو القرآن، وفيها يذكر الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار، وفي المساجد تغرس شجرة الأخوة الإيمانية التي تغيض الكفار وأعداء الإسلام، ولما هاجر النبي-صلى الله عليه وسلم-إلى المدينة النبوية، كان أول شيء بادر إليه هو بناء المسجد، لتظهر فيه شعائر الإسلام، وليجتمع شمل المسلمين، وأعظم من ذلك:لكي يعبد الله وحده لا شريك له،وهذا هو الدين الذي جاءت به الرسل أجمعين.
-ولعظم فضل المساجد وعلو شرفها كان بناؤها وإنفاق المال في سبيل ذلك من أفضل الأعمال، بل من أسباب دخول الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم [من بنى مسجداً لله تعالى يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في الجنة](2)، وهذا يدل على أن شأن المسجد عظيم، وثواب من قام به وبالمحافظة عليه جسيم، لذا تجب المحافظة عليه، فيصان ولا يهان، وينزه عن كل ما لا يليق به، وهذا ما دلت عليه الأخبار من القرآن والسنة.
■ بيد أن الذي يجدر التنبيه عليه، وبيان حكمه، هو تزيين هذه المساجد وزخرفتها، حيث إن أغلب مساجد المسلمين مزينة ومزخرفة إلا من رحم الله، وعليه أقول:
■ إن الذي دلت عليه النصوص من الكتاب والسنة وبينه أهل العلم هو تحريم تزيين المساجد وزخرفتها، لأنه ليس مما أمر به رب العالمين، ولا مما أرشد إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم،وأدلة ذلك:
● أولاً،:من القرآن:
قال تعالى:{في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}الآية،أي:هذه المساجد،أمر الله تعالى بتعاهدها وتنزيهها عما لا يليق بها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها، ومعلوم أن الزخرفة والتزيين من الأفعال التي لا تليق فيها، لأن ذلك أمر لم يأت به الشرع، ولا أرشد إليه، لما فيه من مخالفة السنة، وإضاعة الأموال وغير ذلك من المفاسد.
وقوله: (ترفع)، أي "تعظم"(3) -على أحد القولين-، ومعلوم أن التعظيم المشروع لا يكون إلا بالطريق المشروع، أي بما ندب إليه الشرع وحث عليه وأمر به، وذلك كتنظيفها وتطييبها وإقامة شعائر الله فيها، على ما هو مذكور في مظانه.
أما أن نزخرفها ثم نقول إن هذا من التعظيم، فهذا كذب على الشرع، وافتراء عليه، بل هو من سيء الأعمال، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم](4) ،فبان بهذا أن تزيين المساجد ليس من صالح الأعمال بل هو من سيئها، والله الهادي.
● ثانياً: من السنة:
-فعن سعد بن أبي سعيد مرسلا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:[إذا زوقتم مساجدكم، وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم](5).
-وعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال:قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-[ما أمرت بتشييد المساجد](6).
قال ابن عباس: (لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى)(7)، وهذا وإن كان موقوفا فهو في حكم المرفوع كما لا يخفى، يقول الخطابي:"والمعنى أن اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرفوا وبدلوا وتركوا العمل بما في كتبهم، يقول:فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا بالدين،وتركتم الإخلاص في العمل، وصار أمركم إلى المراءات بالمساجد والمباهات بتشييدها وتزيينها"اه(8).
-قلت:والحديث يدل على أن تشييد المساجد ليس مما أمرنا به، وأن السنة في بنائه هي القصد وترك الغلو في تشييده وتحسينه، فقد قال-صلى الله عليه وسلم- [ابنوه عريشا كعريش موسى ثمام وخشيبات والأمر أعجل من هذا](9)،وقد كان المسجد في عهده -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري(10):(مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا ،ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة ،وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج)، فهكذا كان مسجده-صلى الله عليه وسلم-، كان ساذجا لا زخرفة فيه ولا تزيين، يقول ابن بطال: "هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه"اه(11)،وأما فعل عثمان فليس فيه متمسك للقول بجواز التزيين والزخرفة، لأن فعله ذاك مما لم يوافقه عليه الصحابة، ولهذا قال البغوي معلقاً على فعله:"لعل الذي كره منه الصحابة هذا، ولا يجوز تنقيش المساجد بما لا إحكام فيه"اه (12).
● هذا، وتجدر الإشارة إلى أمر مهم، وهو أن زخرفة المساجد تؤدي إلى مفسدة أعظم دل الشرع على تحريمها، ألا وهي مفسدة التباهي في المساجد.
● فعن أنس-رضي الله عنه-قال:[نهى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن يتباهى الناس في المساجد-](13).
● وفي رواية:[لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد](14).
● وفي رواية:[من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد](15).
-فهذه الأحاديث تدل بكل جلاء ووضوح على تحريم التفاخر ببناء المساجد، وبتزويقها وزخرفتها،لأنه تباهي بالإثم والعدوان والتبذير، ثم إنه يقود إلى كثرة المساجد في المحلة الواحدة، مما يؤدي إلى تفريق كلمة المسلمين، وهذه مفسدة أخرى لمن يتأمل.
ثالثاً:من الآثار:
■ فعن عمر-رضي الله عنه-أنه أمر ببناء المسجد،فقال للبناء:(أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر، فتفتن الناس)(16).
■ وعن ابن القاسم قال:سمعت مالكا وذكر مسجد المدينة وما حصل فيه من التزويق في قبلته وغيره، "كره ذلك الناس حين فعلوه، وذلك لأنه يشغل الناس في صلاتهم ينظرون إليه فيلهيهم"اه(17).
▪ قلت: فإذا كان اﻷمر كذلك، فما بال هؤلاء الذين ينفقون الأموال الطائلة في سبيل تشييد المساجد وزخرفتها، وكأنهم لا يعلمون أنهم بذلك قد أضاعوا الأموال، وتعاونوا على الإثم والعدوان ومعصية الرسول، وخالفوا هدي السلف، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ألا ساء ما يصنعون.
■ فعلى المسلمين جميعاً تقوى الله تعالى، والتمسك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يحافظوا على بيوت الله تعالى، بأن تبنى على وفق ما شرع الله، حتى تكون قد أسست على تقوى من الله تعالى، كما أمر سبحانه.

《《 شبهة وجوابها 》》

بعد أن بينت-بحمد الله تعالى-حرمة تزيين المساجد، لابد أن أردف ذلك بذكر بعض الشبه التي يتمسك بها القائلون بالجواز، لأنه من المعلوم أن كل قول إذا كان حقا لابد أن تقابله الشبه التي قد يغتر بها مغتر.
-ومن أهم الشبه في هذا الباب قولهم بأن السلف الطيب لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك!.
والجواب: أن من سكت منهم عن ذلك فقد كان خوفاً من الفتنة، وهذا من فقههم -رحمهم الله-، وهو من باب دفع الشر الأكبر بالشر الأصغر، يقول الحافظ:"وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبدالملك بن مروان، وذلك في أواخر عصر الصحابة، وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة"اه.(18).
قلت: وممن أبطل هذه الشبهة بكلام رصين العلامة الشوكاني رحمه الله حيث يقول: "ومن جملة ما عول المجوزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار عن من فعل ذلك، وبأنه بدعة مستحسنة، وبأنه مرغب إلى المسجد، وهذه الحجج لا يعول عليها من له حظ من التوفيق، لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه نوع من المباهات المحرمة، وأنه من علامات الساعة، وأنه من صنع اليهود والنصارى، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها عموما وخصوصاً، ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة، لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل، وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد، وسكت العلماء عنهم تقية لا رضى، بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة، وصرخوا بين أظهرهم بنعي ذلك عليهم، ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة، ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة، ثم قال: وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة"اه(19) كلامه رحمه الله.
■ قال جامعه -عفا الله عنه-:
وبعد هذا البيان الذي ليس بعده بيان {لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} يتضح لكل طالب حق أن زخرفة المساجد منكر عظيم، وبدعة قبيحة يجب تركها وعدم التعاون عليها، والموفق من وفقه الله.
فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح حال هذه الأمة، وأن يردها إلى دينه رداً جميلاً إنه سميع قريب.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب:
أبو أيمن أمين الجزائري.
________________________________
1)-رواه مسلم(٦٧١).
2)-رواه البخاري(٤٥٠)، ومسلم(٥٣٣).
3)-أنظر: تفسير الطبري(١٨٥/١٨)، تفسير القرطبي(٢٤٠/١٢).
4)-رواه ابن ماجه(٧٤١)، وفي سنده جبارة بن المغلس، قال الحافظ: فيه مقال، وقال في الزوائد: هو متهم، والحديث ضعفه الألباني.
5)-حسن، أنظر: "الصحيحة"(١٣٥١).
6)-صحيح، رواه أبو داود(٤٤٨) وغيره.
7)-ذكره البخاري(٧٠٢/٢)تعليقاً بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة وغيره.
8)معالم السنن(١٨٥/١)، وانظر: شرح السنة(٣٥٠/٢).
9)-حسن، كما في"الصحيحة"(٦١٦).
10)-صحيح البخاري(٤٤٦).
11)-نقله في الفتح(٧٠٣/٢).
12)-شرح السنة(٣٤٩/٢-٣٥٠).
13)-رواه ابن حبان(١٦١٣).
14)-رواه أبو داود(٤٤٩)، وابن ماجه(٧٣٩) وهو صحيح.
15)-رواه النسائي(٣٢/٢)، وابن خزيمة(١٣٢٢).
16)-ذكره البخاري(٧٠٢/٢) تعليقاً بصيغة الجزم.
17)-المدونة الكبرى(١٥٢/١).
18)-فتح الباري(٧٠٤/٢).
19)-نيل الأوطار(١٥٤/٢-١٥٥).
 
أعلى