رد: ما حكم نكاح الرجل ابنة مطلقته من زوج لاحق ؟
السلام عليكم ورحمة الله
لو فتحنا هذا الباب يا شيخ وضاح لألغينا معظم التقييدات الشرعية.
لا أدري يا دكتور لِمَ يلزمني هذا اللازم ، مع العلم بأن إلغاء دلالة المفهوم إذا خرج لموافقة الواقع أو خرج مخرج الغالب ليس قولي أنا ، بل هو قول عامة القائلين بمفهوم الموافقة إلا القليل.
وأنتم تعلمون أن هناك من يلغي دلالة المفهوم رأساً ، فوجود من يُعمله ويلغيه عند خروجه على وفق الأغلب لا يُستغرب.
والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أن دلالات المفاهيم لغوية ، فتنقسم القسمة المعروفة من نص وظاهر ومشترك ومتواطئ وغير ذلك، فإن خرج المفهوم عن أن يكون نصاً فإن كان ظاهراً جاز تأويله إذا وُجِد داعي التأويل ، وقد عرضنا داعيه بحسب ما ظهر لنا.
أما قولكم :
وإنما يلجأ العلماء إلى إبطال المفهوم المخالف بهذه المعاذير حين يقفون على دليل معارض، أو يكون العمل بالمفهوم يفضي إلى باطل
فيخالفه كلامهم في هذه الآية خاصة ، وهم يجعلونها مثالاً للمفهوم الملغي بسبب خروجه موافقاً للغالب .
كما أنهم قالوا بذلك في مسائل لا يلزم من إلغاء القيد فيها باطل كقول بعضهم في حديث : (قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟)
وكذا كلام عامتهم في حديث : (نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ النَّخْلِ حتَّى يْؤكَلَ مِنْهُ وحتَّى يُوزَنَ)
وغيرها.
وعلى كل ، لم أرَ من قال بوجوب العمل بمفهوم المخالفة إلا أن يكون لازمه باطلاً، وإطلاقهم أن من موانع القول به مجيئه موافقاً للغالب يشهد لما قلناه.
سبق الرد عليه، والاستدلال بالإطلاق في مقابل التقييد ولو في سياقين مختلفين مستهجن جدا فكيف وقد ورد التقييد في نفس السياق؟!
لا تقييد حتى يكون الوصف قيداً ، فإن ألغينا مفهومه بطل كونه قيداً.
حتى مع التسليم بأنه لا مفهوم له؛ فإنه لا يصلح الاحتجاج بالآية على تحريم من لم تكن في الحجر، لأن إلغاء المفهوم لا يعني أكثر من أنه لا يجوز الاستدلال بالآية على تحريم من لم تكن في الحجر. وقد سلمناه تنزلا، فتكون الآية نصا في تحريم الربيبة في الحجر.
القول بأن الآية نص في الربائب اللاتي في الحجور موضع الخلاف ، فنحن نزعم أنها نص في الربائب فقط وذكر الحجور وصف لما عليه غالب الأمر في الربائب ، فيبقى الإطلاق لأنه المقصود بالآية ، ويلغو المفهوم للقاعدة الأصولية آنفة الذكر.
أما لفظ ربيب ودلالته على التربية ، فهو كقوله سبحانه {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} فإن أحداً لم يقل بأن الحكم مقصور على الآتي من المكان المنخفظ ، أو بعد فعل موجب الحدث في المكان المعد له بشرط كونه منخفضاً مستوياً.
فإنه لما شاع كون الربيب ابن الزوجة جاز التعبير به وإرادة ذلك من غير نظر إلى كونه تربى عند الزوج أم لا ، ويدل عليه من الآية نفس الوصف ، فلو كان لفظ {ربيبة} قاصر على من تربت عند زوج الأم لكان قوله سبحانه {في حجوركم} تطويل بغير فائدة.
ويدل على أن نفس التربية غير مؤثر ، أنه لو ربى أجنبية جاز له نكاحها.
وعليه فما ذكرتموه في النقطة الثانية ـ وهو التأكيد بذكر القيد ـ يصح لو سلمنا كونه قيداً ، ولا نسلمه.
الاعتراض بفهم مالك (الذي تراجع عنه) على فهم علي وعمر فقهاء الأمة طريف حقا
استدلالنا بكلام مالك بن أوس ليس باعتباره رأياً فقهياً حتى يُعترضَ علينا برجوعه عنه ، بل باعتباره عربي فهم من الآية عموم الدلالة على الربائب ، فلو كانت لغة العرب لا تحتمل ذلك بوجه من الوجوه لما فهم مالك منها ذلك .
فلا يقال : إنه فهم من الربيبة بنت الزوجة مطلقاً مع أن لغته تعني بها بنت الزوجة التي رباها.
ولا يقال : إنه لم يفهم من قوله {في حجوركم} التقييد مع أن لغته لا تجيز غيره.
فما دام فهم من الآية مطلق البنات ، فهو حجة لنا على أن لغته تجيز ذلك ، فإن كان جائزاً ضممنا إليه ما قدمنا ذكره في المشاركة الأولى ليتقوى بذلك حتى يكون هو الراجح أو على الأقل يمنع رجحان قصد التقييد بالوصف ، فنبقى على الحظر في الربائب لنص الآية ولنص الحديث ، مؤيدين لذلك بالاحتياط في الفروج وبتقديم الحاظر على المبيح.
هذا والله سبحانه أعلم