أجمع العلماء على أن دم الاستحاضة نجس يغسل كسائر الدماء
الدم نجس بالإجماع "و إن حُكي فيه خلاف [1]" ، و كثير من العلماء حكى الإجماع على ذلك
أولاً : بعض النصوص في الإجماع المحكي في نجاسة الدم
من شرح صحيح مسلم للإمام النووى:-
باب نجاسة الدم وكيفية غسله
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: حَدّثَتْنِي فَاطِمَةُ، عَنْ أَسْمَاءَ، قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: إِحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبَهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ. كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: "تَحُتّهُ. ثُمّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ. ثُمّ تَنْضِحُهُ. ثُمّ تُصَلّي فِيهِ".
فيه (أسماء رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به؟ قال: تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه) الحيضة بفتح الحاء أي الحيض، ومعنى تحته تقشره وتحكه وتنحته، ومعنى تقرضه تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل، وروي تقرضه بفتح التاء وإسكان القاف وضم الراء، وروي بضم التاء وفتح القاف وكسر الراء المشددة، قال القاضي عياض: رويناه بهما جميعاً، ومعنى تنضحه تغسله وهو بكسر الضاد كذا قاله الجوهري وغيره.
وفي هذا الحديث وجوب غسل النجاسة بالماء، ويؤخذ منه أن من غسل بالخل أو غيره من المائعات لم يجزئه لأنه ترك المأمور به،
وفيه أن الدم نجس وهو بإجماع المسلمين، وفيه أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد بل يكفي فيها الإنقاء، وفيه غير ذلك من الفوائد. واعلم أن الواجب في إزالة النجاسة الإنقاء، فإن كانت النجاسة حكمية وهي التي لا تشاهد بالعين كالبول ونحوه وجب غسلها مرة ولا تجب الزيادة، ولكن يستحب الغسل ثانية وثالثة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً" وقد تقدم بيانه. وأما إذا كانت النجاسة عينية كالدم وغيره فلا بد من إزالة عينها، ويستحب غسلها بعد زوال العين ثانية وثالثة، وهل يشترط عصر الثوب إذا غسله؟ فيه وجهان الأصح أنه لا يشترط، وإذا غسل النجاسة العينية فبقي لونها لم يضره، بل قد حصلت الطهارة، وإن بقي طعمها فالثوب نجس فلا بد من إزالة الطعم، وإن بقيت الرائحة ففيه قولان للشافعي أفصحهما يطهر والثاني لا يطهر والله أعلم)) و كذا في المجموع
___________
و من كتاب الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار
- قال أبو عمر : حكم الله تعالى في دم الاستحاضة أنه لا يمنع الصلاة ، وتعبد فيه بعبادة غير عبادة الحيض ؛ لذلك وجب ألا يحكم له بحكم الحيض ، إلا أن يجمعوا على شيء ، فيكون موقوفا على ذلك . وإنما
أجمعوا على غسله كسائر الدماء .
و من التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد : باب النون : الجزء 16
نافع ، عن سليمان بن يسار ، حديث واحد ، وهو حديث رابع وسبعون لنافع
مالك ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار ، عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن امرأة كانت
تهراق الدماء في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتت لها أم سلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر ، فإذا خلفت ذلك ، فلتغتسل ، ثم لتستثفر بثوب ، ثم لتصلي .
( قال الراجي عفو ربه : كلمة تهراق هى إحدى تفسيرات الدم المسفوح ، و فسر أيضاً بالجارى " أو السائل" و الكثير و المعنى متقارب ، و تفسير المهراق مروى عن ابن عباس رضي الله عنهما و يلتقى مع الوارد بنص السنة - راجع كتب التفسير )
ثم قال أبو عمر :وأما وطء الزوج أو السيد للمرأة التي هذه حالها فمختلف فيه من أهل العلم ، جماعة قالوا : لا سبيل لزوجها إلى وطئها ما دامت تلك حالها ، قالوا :
لأن كل دم أذى ، يجب غسله من الثوب والبدن ، ولا فرق في المباشرة بين دم الحيض ودم الاستحاضة ;
لأنه كله رجس ، وإن كان التعبد منه مختلفا ، كما أن ما خرج من السبيلين سواء في النجاسة ، وإن اختلفت عباداته في الطهارة ، قالوا : وأما الصلاة ، فرخصة وردت بها السنة كما يصلي أسلس البول ،
وممن قال : إن المستحاضة لا يصيبها زوجها - إبراهيم النخعي ، وسليمان بن يسار ، والحكم ، وعامر الشعبي ، وابن سيرين ، والزهري ، واختلف فيه عن الحسن ، وروي عن عائشة في المستحاضة أنه لا يأتيها زوجها ، وبه قال ابن علية ، وذكر عن شريك عن منصور عن إبراهيم قال : المستحاضة تصوم وتصلي ، ولا يأتيها زوجها ، وعن حماد بن زيد ، عن حفص بن سليمان ، عن الحسن مثله .
(قال الراجي عفو ربه : كلمة رجس فسرت بالنجس و القذَر ، ينظر اللسان لابن منظور و تاج العروس للزبيدي و المصباح المنير للفيومي و أحكام القرآن لابن العربي و مغني المحتاج..)
.................
ثم قال أبو عمر :
حكم الله عز وجل في دم المستحاضة بأنه لا يمنع من الصلاة ، وتعبد فيه بعبادة غير عبادة الحيض - أوجب أن لا يحكم له بشيء من حكم الحيض إلا فيما أجمعوا عليه من غسله كسائر الدماء . (قال الراجي عفو ربه : إجماعهم على وجوب الغسل لا استحبابه لأنهم قاسوه على غسل واجب..و الله تعالى أعلم)
و حكاه الرهوني في حاشيته على شرح الزرقاني 1\72 و العينى في عمدة القاري و قال القرطبي في تفسيره (قال عمران بن حدير : سألت أبا مجلز عما يتلطخ من اللحم بالدم ، وعن القدر تعلوها الحمرة من الدم فقال : لا بأس به ، إنما حرم الله المسفوح . وقالت نحوه عائشة وغيرها ،
وعليه إجماع العلماء)انتهى
و قال القرافي في الذخيرة
والدم المسفوح نجس إجماعا وغير المسفوح طاهر على الأصح بقوله تعالى ( أو دما مسفوحا ) فمفهومه أن ما ليس بمسفوح مباح الأكل فيكون طاهراً..انتهى
و قال ابن حزم في المحلى كتاب الطهارة : مسألة إزالة النجاسة وكل ما أمر الله تعالى بإزالته فرض:- مسألة :
وإزالة النجاسة وكل ما أمر الله تعالى بإزالته فهو فرض . هذه المسألة تنقسم أقساما كثيرة ، يجمعها أن كل شيء أمر الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم باجتنابه أو جاء نص بتحريمه ، أو أمر كذلك
بغسله أو مسحه ، فكل ذلك فرض يعصي من خالفه ، لما ذكرنا قبل من أن طاعته تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فرض . وبالله تعالى التوفيق
و قال أيضاً : مسألة :
وتطهير دم الحيض أو أي دم كان ، سواء دم سمك كان أو غيره إذا كان في الثوب أو الجسد فلا يكون إلا بالماء ، حاشا دم البراغيث ودم الجسد فلا يلزم تطهيرهما إلا ما لا حرج في غسله على الإنسان ، فيطهر المرء ذلك حسب ما لا مشقة عليه فيه . حدثناعبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا جميعا : ثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : { جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ قال لا ، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي }
وهذا عموم منه صلى الله عليه وسلم لنوع الدم ولا نبالي بالسؤال إذا كان جوابه عليه السلام قائما بنفسه غير مردود بضمير إلى السؤال انتهى من المحلى كتاب الطهارة : مسألة تطهير دم الحيض أو أي دم كان..
و من مراتب الإجماع لابن حزم :- واتفقوا على أن بول ابن آدم اذا كان كثيرا ولم يكن كوؤس الإبر وغائطه نجس
واتفقوا على أن الكثير من الدم أي دم كان حاشا دم السمك وما لا يسيل
دمه نجس
واختلفوا في حد الكثير من الظفر إلى نصف الثوب
و الكثير و الكثير من مواطن حكاية الإجماع..
ثانياً : مستند الإجماع
آية الأنعام و ثلاثة أحاديث ، اثنان منها متفق عليه و الثالث صححه الشيخ أحمد شاكر و الشيخ الألباني
الحديث الأول حديث أسماء المذكور آنفاً ، و وجه الدلالة استدلالهم به على تطهير جميع النجاسات و منها دم الاستحاضة ، و انظر كلام الشوكانى على الحديث في النيل..
الحديث الثاني حديث عائشة أن أم حبيبة استحيضت 7 سنين فأمرها الرسول صلى الله عليه و سلم أن تغتسل و قال هذا عرق ..فكانت تغتسل لكل صلاة..و قد قيل أنها تغتسل من الدم الذي أصابها لأنه نجاسة ، لا الغسل الكامل..
الحديث الثالث: قال فيه الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح و إن كان فيه ابن لهيعة
من مسند الإمام أحمد رضي الله عنه : "أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فقالت يا رسول الله ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه قال فإذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلي فيه قالت يا رسول الله إن لم يخرج أثره قال يكفيك الماء ولا يضرك أثره" و انظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني ، هذا و قد ضعفه الحافظ ابن حجر و ابن رجب ، فليراجَع الكلام فيه..
و على هذا تظاهرت أقوال عامة العلماء أن دم المستحاضة نجس و يلحق بدم الحيض فيُغسَل و إن كان غير معتاد ، لأنه به أشبه ،
قال ابن تيمية في المجموع 26 لما سئل عن المرأة إذا جاءها الحيض في وقت الطواف ما الذي تصنع
أجاب:
الحمد لله، الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فإنها تجتهد ألا تطوف بالبيت إلا طاهرة، فإن عجزت عن ذلك ولم يمكنها التخلف عن الركب حتى تطهر وتطوف، فإنها إذا طافت طواف الزيارة وهي حائض، أجزأها في أحد قولي العلماء، ثم قال أبو حنيفة وغيره: يجزئها لو لم يكن لها عذر لكن أوجب عليها بدنة. وأما أحمد فأوجب على من ترك الطهارة ناسيا دمًا، وهي شاة.
وأما هذه العاجزة عن الطواف وهي طاهرة، فإن أخرجت دمًا فهو أحوط، وإلا فلا يتبين أن عليها شيئًا، فإن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.
وقال تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [78]، وقال النبي : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، وهذه لا تستطيع إلا هذا.
والصلاة أعظم من الطواف، ولو عجز المصلي عن شرائطها. من الطهارة، أو ستر العورة، أو استقبال القبلة، صلى على حسب حاله، فالطواف أولي بذلك.
كما لو كانت مستحاضة ولا يمكنها أن تطوف إلا مع النجاسة، نجاسة الدم. فإنها تصلي وتطوف على هذه الحالة باتفاق المسلمين، إذا توضأت وتطهرت، وفعلت ما تقدر عليه.
وينبغي للحائض إذا طافت أن
تغتسل وتستثفر، أي تستحفظ، كما تفعله عند الإحرام. وقد أسقط النبي عن الحائض طواف الوداع. وأسقط عن أهل السقاية والرعاة المبيت بمنى؛ لأجل الحاجة. ولم يوجب عليهم دمًا. فإنهم معذورون في ذلك، بخلاف غيره. وكذلك من عجز عن الرمي بنفسه لمرض أو نحوه، فإنه يستنيب من يرمي عنه، ولا شيء عليه، وليس من ترك الواجب للعجز كمن تركه لغير ذلك، والله أعلم.
و قال الشيخ الأصولى عطية سالم
فجمهور العلماء من السلف والخلف يقولون: إن جميع الدماء نجسة. وقد جاء عند البخاري وعند مسلم حديث فاطمة بنت قيس في الاستحاضة. والبخاري ومسلم ذكرا حديثها في كتاب الطهارة والنجاسة ليبينا أن
دم الاستحاضة نجس كدم الحيض، أو أن الدم نجس بصفة عامة،
ثم أعادا نفس الحديث في باب الحيض والاستحاضة ليستدلا بذلك على أن
دم الاستحاضة ملحق بدم الحيض،
ودم الاستحاضة دم مسفوح؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما ذلكِ عرق)، واستدلوا بالآية الكريمة: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا [الأنعام:145]، فقالوا: جمع في هذه الآية بين تحريم الميتة والدم المسفوح، والميتة نجسة كما تقدم التنبيه على ذلك في حديث ميمونة : (لو أخذتم إهابها فانتفعتم به -أو: فدبغتموه فانتفعتم به؟!- فقالوا: إنها ميتة. فقولهم: (إنها ميتة)) يستلزم أن الميتة نجسة، فتنجس الإهاب تبعاً للميتة، وأقرهم على هذا الفهم، وأجابهم عنه، وأخبرهم أنه يطهرها الدباغ. وعلى هذا فالدم المسفوح نجس بدلالة اقترانه بالميتة، ولذلك حرم أكله، وحرم بيعه، وحرمت الاستفادة منه في أي شيء.انتهى
ثالثاً : من الآثار الصحيحة عن الصحابة
أورد الآتي
________________
فإذا ثبت الإجماع بمستنده و ثبتت السنة الصريحة بالأمر بالغسل من دم الحيض و التطهر منه و ثبتت حكاية الإجماع على غسل دم الاستحاضة كسائر الدماء بغير مخالف لهذا الإجماع "الاستذكار و التمهيد لابن عبد البر"..
و ثبت عمل الصحابة رضوان الله عليهم و ثبت من كلام العلماء ما يدل على ذلك ، لم يبقَ إلا حكاية أقوال المالكية " و هم يعتبرون بالمشقة "..
قال ابن عبد البر في الكافي:-
باب النجاسات وغسلها
والنجاسات كل ما خرج من مخرجي بني آدم...
ثم قال ...وما أصاب الثوب أو البدن من النجاسات غسل حتى تزول عينه وإن أمكن إزالة لونه أزيل وإلا فلا يضر لون الدم إذا ذهب عينه وبقي أثره ويسير الدم معفو عنه إذا كان كدم البراغيث ونحوه.
واختلف قول مالك في دم الحيض فمرة جعله كالبول والمذي والغائط ومرة جعله كسائر الدماء.
(قال الراجي عفو ربه : انظر تفسير تلك الجملة في الذخيرة للقرافي
)وليس على الحائض غسل ثوبها إلا أن ترى فيه دما فإن كان مصبوغا وشكت فيه غسلته استحبابا
و إن أيقنت بالنجاسة فيه غسلته واجبا وإن كان أبيض فلا شيء عليها إلا أن تكون النجاسة من لونه ولم تظهر فيه ومن أيقن بنجاسة في جهة من ثوبه غسل تلك الجهة وإن أيقن بها في ثوبه وجهل موضعها غسله كله. وإن كانت النجاسة ذات رائحة سعى في إزالة رائحتها وتطهيرها وإذا كانت النجاسة مائعة فصب عليها الماء حتى يغلبها ويزيلها طهر موضعها من الأرض والثوب والبدن.
ومن أحرق نجاسة كان الرماد نجسا ولا تزيل النجاسة النار ولا شيء غير الماء إلا ما ذكرنا من الاستنجاء وما قدمنا ذكره من اختلاف قوله في مسح الخف من روث الدواب فمرة أجازه ومرة أمر بغسله وان أصاب الخف بول أو عذرة رطبة فلا بد من غسل ذلك
ولا يغسل صاحب السلس ما أصاب ثوبه من ذلك إلا أن يكثر ذلك ويفحش ولو كلف غسل ما لا يرقأ ولا ينقطع كان ذلك حرجا ولم يجعل الله في الدين من حرج وعليه أن يتوقى ذلك بالخرق واللفائفانتهى من ص 18-19 ط دار الكتب العلمية
قال القرافي في الذخيرة :-
فروع تسعة : الأول : استحب للمستحاضة في الكتاب أن تتوضأ لكل صلاة . قال صاحب الطراز : لا يختلف في وجوب الصلاة عليها ، واختلف إذا كانت جاهلة ، فتركت الصلاة ، فأنكر سحنون ما ذكر من سقوطها بالجهل ، واستحب لها الوضوء ، ولم يستحب لها الغسل كما جاء في حديث حمنة ; لأن ترك الغسل ( متفق عليه ) ، وإنما الخلاف في الوضوء . قال الخطابي : اتفق العلماء على عدم وجوب الغسل إلا أن تشك ، وذهب أبو ح ، و ش ، وجماعة إلى وجوب الوضوء عليها ، ويدل على عدم الوجوب أن حديث وجوبه لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحة . قال أبو داود : زاد عروة : ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ، وقال : هذه الزيادة موقوفة على عائشة رضي الله عنها ، وأنكرها صاحب الطراز[2] ، ويدل على عدم الوجوب اتفاق الجميع على أنه إذا خرج في الصلاة أتمتها ، وأجزأتها [3]. ووجه الاستحباب أنه من جنس الأحداث كالسلس ...انتهى المراد نقله
و قال أيضاً في أوائل باب الطهارة
التاسع قال صاحب الخصال القرقرة الشديدة توجب الوضوء وينبغي أن يتخرج ذلك على تفضيل ابن بشير فهذه الموجبات إن خرجت عن العادة واستغرقت الزمان فلا يشرع الوضوء منها لأن مقصوده أن يوقع الصلاة بطهارة ليس بعدها حدث وقد تعذر ذلك وإن لم تستغرق الزمان ففيها
ثلاث حالات الأولى أن يستنكح ويكثر تكراره فيسقط إيجابه عند مالك رحمه الله كما قال في الكتاب خلافا ش و ح لما في السنن أن رجلا قال للنبي عليه السلام إن بي الناسور يسيل مني فقال عليه السلام إذا توضأت فسال من فرقك إلى قدمك فلا وضوء عليك
وقياسا على دم الحيض فإنه يوجب الغسل فإن خرج عن العادة لم يوجبه وهو دم الاستحاضة
وروي عن مالك رحمه الله إيجابه وإن تكرر نظرا لجنسه وإذا سقط الإيجاب بقي الندب ومراعاة للجنس والخلاف
فرعان مرتبان الأول قال صاحب الطراز
إذا استحب له الوضوء استحب له غسل فرجه قياسا عليه وكذلك المستحاضة وقال سحنون
لا يستحب لأن النجاسة أخف من الحدث بدليل أن صاحب الجرح لا يستحب له غسل اليسير من دمه ويستحب الوضوء من يسير السلس
الثاني قال أبو العباس الإبياني يبدل الخرقة أو يغسلها عند الصلاة وقال سحنون ليس عليه ذلك وغسل الفرج أهون فإن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان به سلس البول حين كبر وما كان يزيد عن الوضوء
الحالة الثانية أن يكون زمان وجوده أقل وفي الجواهر فيجب منه الوضوء عملا بالأصل السالم عن الضرورة وعند العراقيين لا يجب لأن الله تعالى إنما خاطب عباده بالمعتاد إذ هو غالب التخاطب وهذا ليس بمعتاد ويؤكد هذا حمل الألفاظ في التكاليف والوصايا والأوقاف والمعاملات على الغالب بالإجماع
الحالة الثالثة أن يستوي الحالان وفي الجواهر فيجب الوضوء لعدم المشقة وقيل لا يجب لخروجه عن العادة..انتهى
و المستفاد أن القول بعدم الوضوء و الاستنجاء عن المالكية ليس على إطلاقه ، فلهم فيه روايات مختلفة عن مالك رضي الله عنه و أحوال مختلفة ، و الذي يضبط ذلك قول القائل :"مع الاستطاعة ، أو مع القدرة" ذلك أضبط و أوفق..
و يراجَع شرح الشيخ ابن عثيمين على الزاد عند قوله ويجبُ الاستنجاءُ لكُلِّ خَارِجٍ إِلا الرِّيحَ
http://www.ibnothaimeen.com/all/books/printer_18043.shtml
لكن هل هناك تلازم بين نفي الوضوء و نفي الاستنجاء ؟ لا أظن ذلك ، يعني لعل بعض من لا يوجب الوضوء لعدم النص الصحيح عنده ! ، يوجب الاستنجاء مع القدرة..
و بضم ما سبق من مشاركات لتلك المشاركة
أجد أن أعدل الأقوال في ذلك هو ما أفتى به الشيخ ابن باز - و من وافقه - و في ذلك
انضباط الأقوال كلها و اتساقها و إعمال للنصوص الواردة و اعتبار المشقة..و لو ارتفع الوجوب مطلقاً لتوسع الناس مطلقاً حيث لا ينبغي التوسع كما يُرى ذلك منهم غالباً ، فالمستطيع منهم القيام في الصلاة تجده يجلس لمجرد ألم لا يتأثر بالقيام و لا يؤخر برءه و لا يزيد في مرضه ، و إذا كان السجود المعتاد فقط هو الذي يؤلمه تجده يجلس في كل الأركان ، مع أنه لا يُنتقل عن هيئة ما إلا مع العجز عنها بعينها ، و من انتقل عن هيئة و هو قادر عليها أعاد أبداً ، الحاصل أن الناس يتوسعون دوماً ، و لذا فالوجوب مع القدرة هو أعدل الأقوال في نظري الخاص.
_________________
خصائص دم الاستحاضة "فيما يتعلق بموضوعنا"
1-غير معتاد ، و لهذا قالوا بعدم التكليف على غير المعتاد ، و يجاب بأن التكليف مع القدرة
2-مسفوح " يعنى مهراق ، أو جارٍ ، أو كثير "..و هذا وجه الاستدلال بقوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس )
3-أشبه بدم الحيض فيلحق به
4-نجس : فيجب غسله
5-هو مقيس و مقيس عليه : يقاس على الحيض فيحكم بنجاسته ، و يقاس عليه كل حدث دائم فيستنجى منه "إلا الريح"..
و الخلاصة : بثبوت نجاسة الدم و منه دم الحيض و به يلحق دم الاستحاضة : يجب الاستنجاء منه
"مع القدرة "والله تعالى أعلم
و أخيراً : فإن الوضوء و الاستنجاء مسألتان متداخلتان و لا يعيب المتكلم الإفادة بذكر الزيادة "و لو لغرض في نفسه : كأن يحدث مشايخه بلسان الحال ، أن أخبرونا برأيكم فيما نقلت" ، و في طي ما نُقل سابقاً من الإخوة الفضلاء جواب عن صميم المسألة..فلا يقال لأنه أسرع في العثور..بل العلم متداخل و لا مانع من الإفادة..و جزى الله خيراً من جاب الكتب المنشورة و المرفوفة ، و انتقى الفوائد . و القارئ عادةً أصح نظراً من الكاتب و أعمق نقداً ، فلينتقِ القارئ ما جلب الكاتب و ليصحح و لينقح و ليقسم و ليفصل ،
و بارك الله في الجميع..
______________