خالد بن سالم باوزير
:: غفر الله له ولوالديه ::
- إنضم
- 13 أغسطس 2008
- المشاركات
- 646
- الجنس
- ذكر
- الكنية
- أبـو مـعـاذ
- التخصص
- الفقه
- الدولة
- المملكة العربية السعودية
- المدينة
- الدمام
- المذهب الفقهي
- الحنبلي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا مزيدا إلى يوم الدين, أما بعد:
فهذه دروس في بيان المشهور من المذهب أطرحها بين يدي إخواني مساهمة مني في خدمة مذهب إمامنا إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله تعالى وأعظم أجره وقدس روحه -, وإنما اقتصرت فيه على المشهور من مذهب أئمتنا الحنابلة ليكون عمدة للمتمذهبين على مذهب الحنابلة الكرام - عليهم رحمة ذي الجلال والإكرام -, علما بأن اقتصاري على بيان المشهور من مذهب الإمام لا يعني بالضرورة أن أتبنى كل ما دونه الأصحاب الكرام وصار هو المشهور عندهم, وإنما هذا البيان إنما هو لتدوين المشهور والصحيح من مذهب الأصحاب كي يكون عمدة للمتمذهبين على مذهب الحنابلة الكرام كما تقدم, وأيضا ليس هو دعوة للتعصب, وإنما هو تأصيل للمبتدئين ليسهل عليهم المرور على فروع الفقه بأيسر الطرق والأسباب, فليس من المناسب لمن يَدْرُس متنا فقهيا لأول وهلة أن يُقحَم في معرفة الخلاف في المذهب الذي ينتسب إليه فكيف بذكر الخلاف العالي؟!, والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وستكون طريقة الدروس ببيان المشهور من المذهب مع ذكر مسائل معاصرة تدعو الحاجة إليها, أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعل ما أسطره هنا حجة لي لا علي وأن يجعله مباركا نافعا لقائله وقارئه وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن لا يجعل للشيطان ولا لأحد من الخلق فيه نصيبا, وأن يجعله لي ذخرا يوم ألقاه جل جلاله ويبقى لي أثرا بعد مماتي, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الفقه في اللغة هو: الفهم يقال: فَقِهَ الأمر إذا فهمه.
وفي الاصطلاح: معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين .
والأحكام الشرعية خمسة: الواجب والمستحب والمباح والمكروه والحرام.
فالواجب كالصلاة .
والمستحب كالتسوّك .
والمباح كالنوم.
والمكروه كالتكلّم أثناء قضاء الحاجة.
والحرام كالزنا .
والمكلف هو البالغ العاقل .
وقولنا : " المتعلقة بأفعال المكلفين " أي التي ترتبط بأقوال وأعمال البالغين العاقلين من صلاة وصيام وسواك وبيع وزواج ونحو ذلك بخلاف المتعلقة باعتقادات المكلفين كالإيمان بالله واليوم الآخر فهذه تبحث في علم العقيدة ، أما الفقه فهو الذي يبيّن لنا أحكام أفعالنا ما يجوز منها وما لا يجوز .
وفائدة دراسة الفقه: هو التمكّن به من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه إذْ إن المسلم لا يعرف مراد الله منه إلا بدراسة الفقه.
( كتاب الطهارة )
باب المياه
الطهارة لغة: النظافة والنزاهة من الأقذار حسية كانت أم معنوية.
فالحسية: كالبول والغائط.
والمعنوية: كالشرك بالله تعالى والذنوب والمعاصي.
واصطلاحا: ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث.
وفي هذا التعريف ثلاث فقرات إليك شرحها:
(أولا) : ارتفاع الحدث.
والحدث: وصف غير محسوس يقوم بالبدن يمنع مما تشترط له الطهارة .
ومعنى كونه ( غيرَ محسوس ) هو أن الشخص إذا أحدث لا يُعرف أ متوضئ هو أم محدث.
فمن بال - مثلا - فقد قام به وصف غير محسوس يسمى حدثا.
إذن فهو محدث لقيام هذا الوصف به, ولا يرتفع هذا الوصف عنه إلا إذا توضأ .
ومعنى قولنا: ( مما تشترط له الطهارة ) هو أن الحدث يمنع كل عمل اشترط الشرع له الطهارة كالصلاة فإنها لا تصح بدون وضوء.
ثم إن الحدث ينقسم إلى قسمين :
1 - حدث أصغر: وهو ما أوجب الوضوء.
كخروج البول والغائط.
مثال: من تغوط فقد قام به وصف غير محسوس يسمى حدثا أصغر, لأنه لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء .
2 - حدث أكبر: وهو ما أوجب الغسل.
كخروج المني وخروج دم الحيض من المرأة .
مثال: من جامع زوجته فقد قام ببدن كل واحد منهما وصف غير محسوس يسمى حدثا أكبر لأنه يوجب الغسل فلا يرتفع عن البدن إلا بالغسل .
مثال آخر: من حاضت من النساء فقد قام بها وصف غير محسوس يسمى حدثا أكبر لأنه يوجب الغسل أيضا .
(ثانيا): ما في معناه.
أي: ما في معنى ارتفاع الحدث لا ما في معنى الحدث .
فكأننا قلنا: الطهارة: ارتفاع الحدث وما في معنى ارتفاع الحدث .
والذي في معنى ارتفاع الحدث هو: كل طهارة لا تكون عن حدث أو لا يرتفع بها حدث .
مثال الطهارة التي لا تكون عن حدث: غسل الميت, فغسل الميت تعبدي وليس عن حدث. ومع ذلك يسمى طهارة فكان في معنى ارتفاع الحدث .
مثال آخر: تجديد الوضوء, فالوضوء على الوضوء السابق لا يكون عن حدث. ومع ذلك فإنه يسمى طهارة فكان في معنى ارتفاع الحدث .
ومثال الطهارة التي لا يرتفع بها حدث: من به حدث دائم كسلس بول إذا توضأ لوقت كل صلاة أبيح له الصلاة بذلك الوضوء مع أن حدثه قد يكون مستمرا, فهنا لم يرتفع حدثه ولكنه في معنى ارتفاعه .
مثال آخر: من تيمم لعذر يبيح التيمم, فهنا لم يرتفع حدثه ولكن هو في معنى ارتفاع الحدث, وذلك لأن التيمم كما سيأتينا - إن شاء الله تعالى - غير رافع للحدث وإنما هو مبيح لفعل الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة .
(ثالثا): زوال الخبث.
والخبث: هو عين خبيثة مستقذرة شرعا .
كالبول والغائط ودم الحائض. وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى مفصلا في مبحث النجاسات .
الماء ثلاثة أقسام:
1 - طهور.
2 - طاهر.
3 - نجس.
فالماء الطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره .
ومعنى كونه ( طاهرا في نفسه ) هو أنه يجوز الشرب منه وكذا استعماله في الطبخ وإذا وقع على البدن والثياب والأرض لا ينجسها.
ومعنى كونه مطهرا لغيره: أنه يرفع الحدث ويزيل الخبث .
والطاهر: هو الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره .
ومعنى كونه ( طاهرا في نفسه ) هو أنه يجوز الشرب منه واستعماله في الطبخ وإذا وقع على البدن والثياب والأرض لا ينجسها.
ومعنى كونه ( غيرَ مطهر لغيره ) هو أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث .
والنجس: هو ما ليس طاهرا في نفسه ولا مطهرا لغيره .
ومعنى كونه ( ليس طاهرا في نفسه ) هو أنه لا يجوز الشرب منه ولا استعماله في الطبخ أو الغسيل وإذا وقع على البدن أو الثياب أو الأرض فإنه ينجسها .
ومعنى كونه غيرَ مطهر لغيره: أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس.
فالخلاصة: هي أن الماء إن كان يجوز الشرب منه والوضوء به وإزالة الخبث به فهو طهور.
وإن كان يجوز الشرب منه ولا يجوز الوضوء ولا إزالة الخبث به فهو طاهر .
وإن كان لا يجوز الشرب منه ولا الوضوء ولا إزالة الخبث به فهو نجس .
الطهور ثلاثة أنواع:
1 - طهور مباح .
2 - طهور مكروه.
3 - طهور محرم.
وإليك أيها الفاضل تفصيل كل نوع منها :
أولا: الطهور المباح: وهو الباقي على أصل خلقته التي خلقه الله تعالى عليها حقيقة أو حكما.
مثال الباقي على خلقته حقيقة: الماء الذي نزل من السماء كماء المطر أو ذوب الثلج والبرد, أو الماء الذي نبع من الأرض كماء البحار والأنهار والآبار - جمع بئر- والعيون.
ومثال الباقي على خلقته حكما:
أ - الماء الذي تغيّر بطول مكثه ويسمى: الآجن.
ب - والماء المتغير الذي نبت به طحلب وهو شيء أخضر لزج يخلق في الماء ويعلوه وهو معروف.
ت - أو تغير بسقوط أوراق الشجر عليه.
ث - أو تغير بمجاورة نجس كأن تكون جيفة ميتة بالقرب من الماء فيتغير بها بسبب الرياح.
ج - والماء المسخن بشمس قصد تسخينه أم لم يقصد كان في إناء منطبع أو لم يكن - والإناء المنطبع هو القابل للطرق بالمطرقة بحيث ينطبع وينطوي كالنحاس والحديد والألمنيوم - ولو في بلاد حارة, وكذا المسخن بشيء طاهر كالحطب ونحوه.
مثال: عندنا إناء من نحاس فيه ماء في السودان سخنته الشمس بحرارتها فلا يكره هذا الماء أي يجوز الوضوء به بلا كراهة.
فهنا الماء في هذه الأمثلة قد تغير حقيقة بما ذكرنا كأن تغيّر لونه بالطحلب أو رائحته بمجاورة الميتة أو طعمه بسبب طول المكث لكن مع هذا حكمنا عليه أنه باق على خلقته, وذلك لأن هذه الأشياء التي غيرته لم تسلبه الطهورية فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره.
ثانيا: الماء المكروه: وهو الماء الذي وجد فيه سبب يدعو لكراهته شرعا مع صحة الطهارة به.
وذلك مثل:
أ - الماء الذي اشتد حره أو برده لمنعه كمال الطهارة حينئذ.
ب - والماء المتغير بمجاورة طاهر وقع فيه ولم يخالطه أي لم يمازجه, كالمتغير بدهن وقطع كافور ( وهو نوع من الأطياب النباتية, شفافة مائلة إلى البياض, ويكون صلبا أي: قطعا ويمكن أن يدق ).
ت - المتغير بملح مائي.
ث - والماء المسخن بنجس كأن يسخن الماء بروث حمار.
فهذا النوع من الماء يكون طهورا ولكنه يكره استعماله مع عدم الحاجة إليه, فإن احتيج إليه ارتفعت الكراهة وصار طهورا غير مكروه والحالة هذه.
مثال: حضرت الصلاة جماعة من الناس وعندهم ماء قليل بعضه متغير بملح مائي فهنا يستعمل هذا الماء بلا كراهة للحاجة إليه، فإذا كان الماء متوفرا فأي داع لاستعمال المكروه.
توضيح في الفرق بين الملح المائي والملح الجبلي:
الملح المائي: هو الذي يكون أصله الماء.
وطريقة استخراجه أن تحفر حفرة كبيرة في أرض سبخة ويوضع فيها ماء البحر ويترك في الشمس فتبخر بحرارتها الماء ويبقى الملح، فهذا ملح مائي.
والملح الجبلي أو الصخري: هو الملح المستخرج من الصخور، ويسمى بالملح المعدني.
وهو يستخرج من الجبال أي من الصخور فتجد في بعضها أملاحا كما يوجد في غيرها من المعادن كالذهب والفضة، فهذا ملح جبلي أو صخري .
وحكم الملح المائي: أنه إذا وضع في الماء الطهور وتغير به أي: صار مالحا فإنه لا يسلب الطهورية عن الماء فلذا يجوز الوضوء به لأن أصله ماء.
وحكم الملح الجبلي ( المعدني ): أنه إذا وقع في الماء وتغير به كثيرا فإنه يصير طاهرا غير مطهر.
ثالثا: الماء المحرم: وهو الماء الذي لا يرفع الحدث ولكنه يزيل النجس.
وذلك مثل الماء المغصوب أو المسروق أو كماء بئر غير الناقة من ثمود قوم صالح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .
فهذه المياه يحرم استعمالها فمن تطهر بها لا يرتفع حدثه ولكن يزال بها الخبث.
مثال: لو أن شخصا توضأ بماء مغصوب أو مسروق فلا يصح وضوؤه ولا يرتفع حدثه.
لكن لو أزال بها نجاسة على بدنه أو ثوبه أو على الأرض فإنها تزول بهذا الماء.
مثال آخر: لو أن شخصا ذهب إلى ديار ثمود فتوضأ من إحدى تلك الآبار سوى بئر الناقة فإنه لا يصح وضوؤه ولا يرتفع حدثه, لكن لو أزال بها نجاسة على بدنه أو ثوبه أو على الأرض فإنها تزول بهذا الماء.
أما لو توضأ من بئر الناقة صح وضوؤه وارتفع حدثه ومن باب أولى تزول النجاسة.
الماء الطاهر نوعان:
1 - الماء المستعمل.
2 - الماء المتغير بطاهر.
أولا: الماء المستعمل: وهو الماء الذي رفع بقليله - دون القلتين - حدث أو أزيل به نجس.
وذلك مثل الماء المتقاطر من أعضاء المتوضئ لرفع حدث أو المغتسل من الجنابة, فهذا يسمى ماء مستعملا فلا يجوز الوضوء به ولا الاغتسال ولا إزالة النجاسة, لأنه وإن كان طاهرا في نفسه إلا أنه غير مطهر لغيره كما تقدم في تعريفه.
والسبب في " عدم كونه مطهرا لغيره " هو أنه لما رفع به الحدث أو أزيل به النجس ذهبت قوته فلم يعد صالحا للوضوء والغسل وإزالة النجاسة.
أما الماء المستعمل للتبرد أو التنظف فليس من قبيل المستعمل لأنه لم يُرفع به حدث أو يُزَل به نجس, بل هو باق على طهوريته يجوز رفع الحدث به وكذا إزالة النجس, وذلك لبقاء قوته على التطهير.
ونظير الماء المستعمل في رفع حدث الماء المستعمل في إزالة نجس, فلو سقط بول - مثلا - على ثوب, فألقينا على محل النجاسة من الثوب ماء طهورا ثم تساقط الماء من الثوب وجمعناه في إناء, فهذا الماء يصبح طاهرا غير مطهر, وذلك بشرطين :
1- أن يطهر المحل النجس من الثوب في الغسلة السابعة.
بمعنى أننا ننظر إلى محل النجاسة من الثوب بعد غسله سبع مرات هل زال لون النجاسة وذهب ريحها وطعمها أو لا ؟ فإذا زالت آثار النجاسة طهر الثوب فيكون الماء الذي طهره وانفصل عنه في الإناء في الغسلة السابعة طاهرا غير مطهر.
أما إذا لم يطهر محل النجاسة من الثوب فإن الماء يكون نجسا والحالة هذه أي أن الماء المستعمل في إزالة النجاسة يكون تابعا للمحل, إن طهر المحل بعد الغسلة السابعة طهر الماء وإن لم يطهر بعد الغسلة السابعة واحتيج إلى أكثر من سبع غسلات لم يطهر الماء, وهكذا حتى يطهر المحل, ولا ينقص عن سبع غسلات فإن نقص بقي المحل نجسا إما حقيقة أو حكما. أي : ولو نظف حقيقة فإننا نحكم بنجاسته ما دام أن الغسلات دون السبع فالنجاسة كي تزول لا بد لها من سبع غسلات.
2 - أن لا يتغير الماء المستعمل في التطهير في الغسلة السابعة.
بمعنى أننا ننظر إلى الماء المتساقط في الإناء المنفصل عن محل التطهير في الغسلة السابعة, هل فيه لون أو طعم أو ريح النجاسة أولا ؟ فإن لم نجد فيه ذلك بعد الغسلة السابعة كان طاهرا غير مطهر, وإن وجدنا لون النجاسة أو طعمها أو ريحها كان الماء المنفصل عن محل التطهير بعد الغسلة السابعة نجسا.
فعلم أنه لا تزول النجاسة عن المحل بأقل من 7 غسلات حتى وإن ظهر لنا أن الثوب قد نظف لكننا نحكم بنجاسته، فحينئذ تكون الغسلات المستعملة من الماء من رقم 1 إلى رقم 6 نجسة دائما.
وأما الغسلة رقم 7 فننظر إن طهر المحل بها وليس في الماء أثر للنجاسة فالماء طاهر غير مطهر.
وأما الغسلة رقم 8 وما بعدها إن وجدت فالماء يعتبر طهورا ما دام أن الثوب قد طهر في الغسلة السابعة لأن الماء حينئذ يكون قد لاقى محلا طاهرا فيبقى على طهوريته.
فتلخص من ذلك كله أن الماء المستعمل هو طاهر في نفسه غير مطهر لغيره, وهو نوعان:
1 - المستعمل في رفع حدث إذا كان قليلا - دون القلتين -, وقلنا: إنه إذا لم يستعمل في رفع حدث بل للتبريد أو التنظيف فإنه يبقى طهورا على أصله يرفع الحدث ويزيل الخبث .
2 - المستعمل في إزالة النجس, وقلنا: إنه لا بد من توفر شرطين:
1 - طهارة المحل بعد الغسلة السابعة.
2 - عدم تغير الماء بعد الغسلة السابعة.
فإذا توفر الشرطان فالماء المستعمل في إزالة النجاسة طاهر غير مطهر حاله كحال الماء المستعمل في رفع حدث بلا فرق.
ومتى فقد أحد هذين الشرطين كان الماء نجسا.
ثانيا: الماء المتغير بطاهر: وهو الماء الذي اختلط به طاهر فتغير كثيرا لونه أو طعمه أو ريحه.
فيشترط في التغير بالطاهر ثلاثة أمور:
1- أن لا يشق صون الماء عنه.
فقد مضى معنا أن المتغير بطول مكثه أو بطحلب نبت فيه أو بأوراق شجر سقطت فيه يبقى على طهوريته حكما كما تقدم, لأنه يشق علينا أن نصون الماء عن هذه الأشياء, ولذا لو أن آدميا قام بإلقاء أوراق الشجر على الماء فتغير تغيرا كثيرا بذلك الفعل كان الماء طاهرا غير مطهر, لأنه يمكن أن نمنع ذلك الآدمي عن هذا الفعل, لكننا لا يمكن أن نمنع أوراق الشجر من التساقط, والمشقة تجلب التيسير.
مثال الماء الذي تغير بشيء طاهر غير ما ذكرنا سابقا مما يشق صون الماء عنه: الماء الذي سقط فيه صابون وتغير الماء به, فهنا عندنا ماء طهور اختلط بمادة طاهرة وهي الصابون, فتغير الماء بذلك الصابون وصار لونه أو طعمه أو ريحه لون أو طعم أو ريح الصابون, أي لم يبق الماء على صفاته الأصلية التي خلقه الله تعالى عليها فيصير الماء طاهرا غير مطهر, أي إنه انتقل بسبب مخالطة الصابون له من الطهورية إلى الطاهرية .
ومثل الصابون ماء الورد والخل والشاي والحليب والعصير وغيرها من الطاهرات.
2 - أن يكون التغير كثيرا.
وضابط التغير الكثير أن يزول وصف الإطلاق عن الماء بحيث من رآه لا يسميه ماء فقط بل يقيده فيقول: ماء صابون أو ماء ورد أو ماء خل أي يضيفه للطاهر الذي خالطه.
مثال: سقط طاهر في الماء مثل قليل من الشاي فوجدنا أن الماء تغير به تغيرا قليلا بحيث لا تزال صفات الماء الأصلية هي الغالبة, فمن رآه والحالة هذه يسميه ماء فهذا يبقى طهورا على أصله يرفع الحدث ويزيل الخبث .
أما إذا وجدنا أن التغير صار كثيرا بحيث صار يسمى ماء شاي فهذا غير مطهر لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث .
3 - أن يكون تغير الماء بالمخالطة.
والمخالطة: هي أن لا يتميز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة.
مثل الماء الذي سقط فيه صابون فهنا ننظر بأعيننا إلى الماء فلا نستطيع أن نميز الصابون عن الماء أي أن الصابون لم يطف فوق الماء فقط, ولم يستقر في الأسفل فقط بحيث صار معزولا عن الماء, وإنما اختلط وامتزج بالماء فصارا خليطا واحدا.
أما إذا لم يخالطه بل جاوره فقط فهنا يبقى الماء طهورا وإن تغير بهذا المجاور تغيرا كثيرا إلا أنه يكره استعماله والحالة هذه مع عدم الاحتياج إليه كما تقدم في القسم الثاني من أقسام الماء الطهور وهو الطهور المكروه.
والمجاورة: أن يتميز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة .
مثال ذلك: الماء الذي سقطت فيه خشبة, فهنا قد تميز الماء عن الخشبة, فهذا يسمى مجاورة, فلو بقيت الخشبة فترة طويلة فوجدنا أن الماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه فالماء يبقى طهورا على أصله لأن الخشبة لم تخالط وتمتزج بالماء بل جاورته.
ومثل الذي سقط فيه عود مطيب أو قطع كافور - نوع من الأطياب النباتية - بحيث يجعل الماء ذا رائحة طيبة, فهذا أيضا تغير بالمجاورة فلا يضر الماء ويبقى طهورا على أصله, لأن العود أو قطع الكافور لم تمتزج به بل جاورته.
ومثل الماء الذي سقط فيه تفاح أو فاكهة أخرى ولم يتحلل منها شيء فلا يضر الماء ويبقى طهورا على أصله لعدم المخالطة.
ومثل الماء الذي سقط فيه هيل فإنه سوف تتغير رائحته به, فلا يضر ولو كان التغير كثيرا, لأن الهيل لا يمازج الماء بل يجاوره.
ومثل الماء الذي سقط فيه دهن ولو كان سائلا فإنه سوف يطفو فوق الماء ولا يخالطه فلا يضر الماء ويبقى على أصله طهورا.
فتلخص من ذلك: أن كل مادة طاهرة لا تمتزج بالماء بأن كانت صلبة ولا يتحلل منها شيء أو كانت فيها دهنية كدهن الطعام والشحم والشمع فهذه تجاور الماء ولا تخالطه فلا تضر طهورية الماء وإن غيرته تغيرا كثيرا. إلا أنه كما بينا سابقا يكون استعماله مكروها والحالة هذه مع عدم الاحتياج إليه, فإن احتيج إليه ارتفعت الكراهة .
فالخلاصة هي أن الماء المتغير بطاهر يكون طاهرا غير مطهر بثلاثة شروط:
1- أن لا يشق صون الماء عنه فإن شق بقي طهورا على أصله.
2 - أن يكون التغير كثيرا بحيث يسلب إطلاق اسم الماء, أما إن كان قليلا فلا يضر ويبقى الماء طهورا.
3 - أن يكون التغير حصل بمخالطة للطاهر, أما إذا حصل بمجاورة فلا يضر ويبقى الماء طهورا حتى وإن تغير به تغيرا كثيرا مع كراهة استعماله حينئذ إذا لم يحتج إليه كما بينا مرارا.
وهو نوعان:
1 - قليل بأن يكون أقل من القلتين.
2 - كثير بأن يكون قلتين فأكثر وتغير بالنجاسة.
والقلتان = 500 رطل بغدادي.
والرطل البغدادي = 382.5 غم
فالقلتان = 500 × 382.5 = 191.250كغم.
فالماء إذا بلغ وزنه 191.250 كغم فهو كثير, وإن لم يبلغ فهو قليل.
فالماء القليل إذا حلت فيه نجاسة تنجس مباشرة سواء تغير لون الماء أو طعمه أو ريحه أم لم يتغير وسواء كان الماء جاريا أم راكدا .
لكن يستثنى من ذلك محل التطهير.
ومحل التطهير: هو المحل الذي أصابته نجاسة فنقوم بتطهيره بالماء كي نزيل النجاسة عنه, وسمي محل التطهير لأنه يقصد تطهيره.
مثال ذلك: عندنا إناء من الماء يسع 20 كغم سقطت فيه قطرة بول فوجدنا أن الماء لم يتغير بالنجاسة لأنها قليلة جدا فهنا يصير الماء نجسا رغم عدم التغير, لأن القاعدة تقول: " إن الماء الذي لم يبلغ قلتين ينجس بحلول النجاسة فيه تغير أم لم يتغير ".
مثال آخر: عندنا ماء غدير يجري فوقعت فيه نجاسة, فنظرنا إلى مجموع الماء الجاري الذي وقعت فيه النجاسة فإذا هو أقل من القلتين, والنجاسة الذي وقعت فيه لم تغيره, فهنا يصبح الماء نجسا رغم عدم التغير لأنه لم يبلغ القلتين بمجموعه.
وتبين لنا من خلال هذا المثال أن حكم الماء الجاري كالراكد مثلا بمثل سواء بسواء.
مثال آخر: عندنا ثوب وقعت فيه نجاسة, فقمنا بغسل هذه النجاسة بالماء, فالمكان الذي وقعت عليه النجاسة وقمنا بغسله يسمى محل التطهير لأننا نقوم بتطهيره, فالماء الوارد على هذه النجاسة قليل لكنه مادام في محل التطهير طهور وليس بنجس, لأننا إن قلنا بنجاسته لم يمكن تطهير نجاسة على وجه الأرض مطلقا بماء قليل, لأنه كلما ألقينا الماء ولاقى محل النجاسة من الثوب سوف يتنجس, فلذا استثنيناه, لكن إن انفصل هذا الماء القليل عن محل التطهير فهو نجس في الست الغسلات وفي السابعة ننظر إن كان انفصل غير متغير فهو طاهر غير مطهر وإن كان قد انفصل متغيرا بالنجاسة فهو نجس كما بينا سابقا.
والماء الكثير وهو الذي يبلغ قلتين فأكثر إذا حلت فيه نجاسة فله حالتان:
1 -أن لا يتغير بالنجاسة فلا يصير نجسا.
مثال ذلك: أن يوجد عندنا خزان ماء كبير يسع قلتين فأكثر سقط فيه بول فنظرنا إلى لون الماء فلم يتغير, وذقنا الماء فلم نجد طعم الماء تغير, وشممنا رائحة الماء فلم نجد رائحة الماء تغيرت.
فهذا الماء يرفع الحدث ويزيل الخبث .
2 - أن يتغير بالنجاسة فيصير نجسا.
مثال ذلك: أن يوجد عندنا خزان ماء كبير يسع قلتين فأكثر سقطت فيه نجاسة فنظرنا إلى الماء فوجدناه قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه فهو نجس .
ولايشترط أن تتغير كل الأوصاف, بل تغير أحدها كاف للحكم عليه بالنجاسة .
أما في النجس فالماء الطهور إذا حلت فيه نجاسة وغيرته صار نجسا سواء كان التغير قليلا أم كثيرا.
والسبب في ذلك أن النجاسة أمرها غليظ بخلاف الطاهر فأمره هين.
الثاني: قلنا: إن الماء القليل وهو مادون القلتين ينجس بمجرد الملاقاة ولا عبرة بالتغير, وهنا قد يتساءل الطالب فيقول: أنتم قلتم: إن الماء المستعمل في إزالة النجاسة هو طاهر مادام المحل طاهرا ولم يتغير الماء بعد الغسلة السابعة, فهنا يكون عندنا ماء قليل لاقى النجاسة واتصل بها - لأنه حينما يسكب الماء على النجاسة لا بد أن يلاقيها ويتصل بها - ومع هذا انتقل الماء من كونه طهورا إلى طاهر, فلم لم ينتقل من طهور إلى نجس ؟
والجواب: هو أن هذا الكلام صحيح, فالماء القليل المستعمل في إزالة النجاسة يصبح طاهرا بالشرطين المذكورين, فهو مستثنى من قاعدة " إن الماء الذي لم يبلغ قلتين ينجس بملاقاة النجاسة تغير أم لم يتغير ".
والسر في ذلك هو أن الماء المستعمل وارد على النجاسة, وأما في الماء القليل إذا سقطت فيه نجاسة فهي الواردة على الماء, بمعنى أننا حينما نريد أن نطهر الثوب نسكب ونلقي الماء على الثوب فيكون الماء قويا بسبب الحركة والإلقاء, ولكن حينما يوجد عندنا إناء فيه ماء قليل وتسقط فيه قطرة بول يكون الماء ساكنا ضعيفا والنجاسة قوية واردة عليه فتنجسه.
وأيضا لو أننا قلنا بنجاسته في هذه الحالة ما طهرت نجاسة بماء قليل مطلقا كما بينا في ثنايا الشرح.
فتلخص من ذلك: أن الماء القليل إذا كان واردا على النجاسة صار طاهرا بالشرطين المذكورين.
وإذا كانت النجاسة واردة عليه صار نجسا.
مثال ذلك: عندنا ثوب متنجس غمسناه في إناء ماء, فهنا ينجس الماء ولا يطهر الثوب, وذلك لأن الماء القليل لاقى نجاسة فينجس, وإذا نجس فقطعا لن يطهّر الثوب.
وهنا مسألة مهمة لابد من التنبه لها: وهي الثياب التي تغسل في الغسالات الحديثة, فهنا ينبغي أن تغسل الثياب النجسة قبل وضعها في الغسالة وإلا أدى ذلك إلى نجاسة الماء ومن ثم نجاسة جميع الثياب التي ستوضع في الغسالة حتى ولو كانت طاهرة, لأن الماء الذي يوضع في الغسالات الحديثة قليل وهنا قد لاقى نجاسة فينجس وينجس كل ما غسل به من الثياب .
مثال آخر: عندنا ثوب متنجس غمسناه في خزان ماء يبلغ قلتين أو أكثر, فهنا يطهر الثوب ويبقى الماء طهورا مادام أنه لم يتغير بالنجاسة, لأن الماء الكثير لا ينجس إلا بالتغير سواء أكان واردا على النجاسة أم كانت النجاسة واردة عليه.
أما الماء القليل إذا وردت النجاسة عليه نجس تغير أم لا, وإن ورد هو على النجاسة فهذا فيه تفصيل: وهو إن طهر المحل بعد الغسلة السابعة ولم يتغير الماء بعدها فهو طاهر, وإن لم يطهر المحل بعد الغسلة السابعة أو كان الماء متغيرا بعد السابعة فهو نجس.
الثالث: لا فرق في التغير بالطاهر بين أن يكون مقدار الماء قلتين أو دون القلتين, لأن المدار فيه على التغير القليل والكثير وليس على القلتين, فإن تغير قليلا لم يضر وإن تغير كثيرا ضر.
مثال : عندنا ماء يبلغ 100 قلة وتغير بالصابون - مثلا - تغيرا كثيرا فهذا طاهر غير مطهر.
الرابع: أن الماء إذا تنجس فإنه ينجس غيره.
مثال: عندنا ثلاثة آنية فيها مياه مطلقة, في الإناء الأول 50 رطلا من الماء, وفي الإناء الثاني 100 رطل من الماء, وفي الإناء الثالث 450 رطلا من الماء, سقطت في الإناء الأول قطرة بول فتنجس الماء لأنه قليل فأخذنا قطرة ماء من الإناء الأول المتنجس ماؤه بقطرة البول وأسقطناها في الإناء الثاني فسيتنجس الماء لأنه قليل, ثم أخذنا قطرة من الإناء الثاني المتنجس بماء الإناء الأول وأسقطناها في الإناء الثالث فهنا سينجس الماء أيضا لأنه قليل, وهكذا لو كان عندنا أكثر من ثلاثة .
والقصد هو أن الماء المتنجس صار كقطرة البول ينقل النجاسة إلى غيره .
الخامس: قلنا في القلتين: إنها = 500 رطل بغدادي, والرطل البغدادي = 382.5 غم, فهذا الرطل البغدادي هو المعتبر في المقادير الفقهية, وهناك أرطال أخرى كالرطل الشامي والرطل المصري يختلف مقدارها عن الرطل البغدادي, ولكنها لا تهمنا لأن المعول على الرطل البغدادي.
السادس: قلنا: إن القلتين = 500 رطل بغدادي ، وهذا المقدار تقريبي ، فلو نقصت القلتان رطلا أو رطلين فلا يضر ويبقى الماء كثيرا لا ينجس إلا بالتغيّر بمعنى أن القلتين = 191.250 كغم فلو نقص رطلين أي 765 غم أو أقل فيبقى المقدار قلتين لأن تقدير القلتين بـ 500 رطل أمر تقريبي وليس تحديديا، ولكن لو زاد النقص على الرطلين ولو رطلا واحدا فهذا يضر فيكون الماء الذي نقص 3 أرطال عن القلتين قليلا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة .
السابع: الماء المستعمل لا يجوز استعماله في العبادات ويجوز استعماله في العادات فلا يصح التطهر بالماء المستعمل ولو في طهارة مستحبة كالوضوء على الوضوء.
الثامن: ذكرنا أن النجاسة لا تزول إلا بالماء الطهور فقط ولا تزول بأي مزيل آخر, وعليه فمن أصابت ثوبه نجاسة وأراد أن يغسله بالبخار فنقول له: اغسل النجاسة التي وقعت عليه أولا بالماء الطهور حتى تزول تلك النجاسة وبعد ذلك اغسله بالبخار - إن شئت -. والغسل بالبخار: هو أن توضع بعض المركبات الكيميائية على الثوب الذي يراد غسله لتزيل ما علق به من أوساخ أو نجاسات, ثم يغسل الثوب كاملا ببخار الماء غسلا لا يصل إلى حد تقاطر الماء.
وأيضا لا تزول النجاسة بالكلور, أو بتشميسها, أو بنشافها بسبب الريح, أو بالتراب, أو بحكها, أو بمسحها, ونحو ذلك, حتى لو زالت حقيقة, فإنها باقية حكما, أي: أننا نحكم على المكان المتنجس بأنه نجس حتى يغسل بالماء الطهور.
الماء ثلاثة أقسام:
الأول: الطهور: وهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره .
وهو ثلاثة أنواع:
1 - الطهور غير المكروه وهو الماء المطلق الذي يسمى ماء بلا قيد.
2 - الطهور المكروه وهو المتغير بغير ممازج كقطع كافور ودهن ونحوها .
3 - الطهور المحرم كالمغصوب والمسروق وكغير بئر الناقة من ثمود .
ثانيا: الطاهر: وهو الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره .
وهو نوعان:
1 - الماء المستعمل .
وهو نوعان أيضا :
أ - المستعمل في رفع حدث .
ب - المستعمل في إزالة نجس, ويشترط فيه أمران:
** أن يطهر المحل بعد الغسلة السابعة .
** أن لا يتغير الماء بعد الغسلة السابعة .
2 - الماء المتغير بطاهر, ويشترط فيه ثلاثة أمور :
** أن لا يشق صون الماء عنه.
** أن يكون التغير كثيرا بحيث يسلب اسم الماء.
** أن يكون التغير بالمخالطة, وهي أن لا يتميز الطاهر عن الماء بعين الباصرة .
ثالثا: الماء النجس: وهو الماء الذي حلت فيه نجاسة .
وهو نوعان:
1 – القليل: وهو مادون القلتين, فهذا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة تغير أم لم يتغير .
2 – الكثير: وهو ما كان قلتين فأكثر, فهذا لا ينجس إلا إذا تغير بالنجاسة .
والقلتان = 500 رطل بغدادي .
والرطل البغدادي = 382.5 غرام .
فمجموع القلتين = 191.250 كغم .
ويعفى عن نقص رطلين لا أكثر.
س1: لماذا فرقتم بين الماء المستعمل في طهارة واجبة والماء المستعمل في طهارة مستحبة, فقلتم عن الأول : إنه طاهر غير مطهر, وقلتم عن الثاني : إنه طاهر مطهر لكنه يكره استعماله ؟ وما وجه كراهته ؟
الجواب: لأن الماء المستعمل في طهارة واجبة قد رفع به الحدث فزالت قوته ولم يعد صالحا للتطهير مرة أخرى, وأما المستعمل في طهارة مستحبة فلم يرفع به الحدث, لأنه مرفوع أصلا وإنما قصد به الثواب .
وأما وجه كراهته فلأن من أصحابنا من قال بأنه يصبح طاهرا غير مطهر كما لو رفع به حدث, فلوجود هذا الخلاف كرهناه, وأيضا لأن هذا الماء صار مترددا بين الطهورية والطاهرية فأعطيناه حكما بين حكمين وهو بقاء الطهورية مع الكراهة.
والخلاصة هي أننا لا نقصد بالماء المستعمل هو الذي استعمل أي استعمال كأن يبرد به البدن أو تغسل به الخضروات بل نقصد به ما استعمل في رفع حدث أو أزيل به نجس.
ولا نقصد به أيضا ما استعمل في أي عبادة كأن يستعمل في طهارة مستحبة, فالطهارة المستحبة وإن كانت عبادة ولكنها لا تؤثر على طهورية الماء, لأن العبرة هي أن يستعمل الماء في عبادة واجبة بحيث يرفع الحدث, فليست العلة استعمال الماء في عادة أو عبادة بل العلة في الحدث, فحيث وجد ذهبت طهورية الماء وحيث لم يوجد بقي الماء طهورا يرفع الحدث ويزيل النجس.
2س: هل الماء المستعمل في إزالة النجاسة طاهر أو نجس ؟
الجواب: الماء المستعمل في إزالة نجس يعد طاهرا في حال ونجسا في حال, فإذا استعمل في إزالة نجس وطهر المحل بعد الغسلة السابعة ولم يتغير الماء بعد هذه الغسلة فهو طاهر, فإن لم يطهر المحل بعد الغسلة السابعة أو تغير الماء بعد هذه الغسلة فهو نجس.
3س: هل هنالك ضابط سهل نميز به المخالطة عن المجاورة ؟
الجواب: نعم, وذلك من خلال الإشارة باليد, فإذا أمكن أن نشير للطاهر بإشارة وللماء بإشارة أخرى فهذا يعني أن الماء الطاهر قد تميز عن الماء فهذه مجاورة, وإذا لم تكن الإشارة لكل واحد منهما بإشارة فهذه مخالطة.
مثال: ماء سقط فيه عود فطفا على السطح, فهنا نشير باليد ونقول: هذا العود وهذا الماء فهذه مجاورة.
مثال آخر: ماء انسكب فيه حليب فامتزج مع الماء فلا يمكننا أن نشير إلى الحليب ونقول: هذا الحليب وهذا الماء, لأنه لم ينعزل الحليب عن الماء في جهة.
4س: ما هو الذي يميز القلة والكثرة في فصل الماء الطاهر عن القلة والكثرة في فصل الماء النجس ؟
الجواب: مدار القلة والكثرة في الطاهر على وجود اسم الماء المطلق من عدمه, فإذا كان التغير بالطاهر يبقى معه وصف الإطلاق فهذا التغير قليل لا يضر طهورية الماء, وإن كان وصف الإطلاق لا يبقى بحيث لم يعد يسمى ماء, بل يضاف إلى قيد ملازم كأن يقال: هذا ماء ورد أو ماء خل أو ماء صابون أو ماء شاي وهكذا فهذا يعني أن التغير كثير ويضر طهورية الماء.
وأما مدار القلة والكثرة في النجس فعلى بلوغ الماء قلتين من عدمه, فإن لم يبلغ القلتين فهو قليل, وإن بلغ القلتين فهو كثير.
فتلخص مما ذكرنا أن القلة والكثرة في الطاهر ينظر فيها إلى الاستعمال اللغوي والعرفي لكلمة الماء, فإن كان يصح أن يستعمل الماء بلا قيد فهذا التغير قليل, وإن كان لا يصح أن يستعمل بلا قيد فهذا التغير كثير وأما القلة والكثرة في النجس فينظر فيها إلى القلتين.
أي أن النظر في الأول إلى الاستعمال اللغوي والعرفي.
والنظر في الثاني إلى مقدار محدد واضح وهو القلتان.
5س: قلتم إن ما تغير بالمخالطة تغيرا كثيرا بحيث سلب إطلاق اسم عليه يصبح طاهرا غير مطهر, وهذا موجود في الملح المائي كما هو موجود في الملح المعدني, فلم فرقتم بينهما فقلتم إن الأول لا يؤثر على الماء والثاني يؤثر عليه ؟
الجواب: هذا الكلام صحيح, ولكن فرقنا بينهما لأن الملح المائي أصله الماء فهو متولد عن الماء فلذا استثنيناه من سائر ما يمازج الماء ويخالطه, بخلاف الملح المعدني فإنه يستخرج من الصخور المالحة فليس أصله الماء.
" مسائل نظرية "س 1: عرِّف ما يلي:
الفقه – الطهارة - الحدث- الطهور – الطاهر – النجس- الماء المطلق – الماء المستعمل – المخالطة – المجاورة - القلتين- الرطل البغدادي .
................................................................
ج. س1:
الفقه: معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين.
الطهارة: فعل تستباح به الصلاة أو فعل لمجرد الثواب.
الحدث: وصف يقوم بالبدن يمنع الصلاة.
الطهور: الطاهر في نفسه المطهّر لغيره.
الطاهر: الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره.
النجس: ما ليس طاهرا في نفسه ولامطهرا لغيره.
الماء المطلق: ما يسمى ماء بلا قيد.
الماء المستعمل: مارفع به حدث أو أزيل به نجس.
المخالطة: عدم تميّز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة.
المجاورة: تميّز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة.
القلتان: مقدار يساوي 500 رطل بغدادي تقريبا لا تحديدا.
الرطل البغدادي: مقدار يساوي 382.5 غم.
س2: ما هي أقسام الماء وأنواع كل قسم ؟
س3: ما هي شروط طهارة الماء المستعمل في إزالة النجس ؟
س4: ما هي شروط طهارة الماء المتغيّر بطاهر ؟
س5: ماهي أحوال الماء إذا سقطت فيه نجاسة ؟
س6: ما هو سبب كون الماء المستعمل غيرمطهر ؟
................................................................
ج.س2: الماء ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس ، والطهور ثلاثة أنواع: طهور بلا كراهة وطهور بكراهة وطهور محرم لا يرفع الحدث ويزيل النجس، والطاهر نوعان مستعمل ومتغير بالطاهرات، والنجس نوعان قليل وكثير.
ج.س3: شرطان: طهارة المحل بعد الغسلة السابعة، وعدم تغيّر الماء بعدها .
ج.س 4: ثلاثة شروط: أن لا يشق صون الماء عنه, المخالطة ، التغير الكثير.
ج.س 5: حالتان:
الأولى: أن يكون قليلا فحينئذ ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا كان واردا على النجاسة وقد طهر المحل بعد سابع غسلة ولم يتغير الماء بعدها فإنه يصير طاهرا.
الثانية: أن يكون كثيرا فحينئذ لا ينجس إلا بالتغيّر.
ج.س 6: ذهاب قوته لمّا رفع به حدث أو أزيل به نجس.
2 - أمطرت السماء ونزل البرد فجمعناه في إناء وذاب, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
3 - ذهب جماعة إلى جبل فوجدوا عين ماء تنبع فيه, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
4 - خزان ماء من الألمنيوم سخنته الشمس في بلد حار حتى فصلت منه زهومة, فهل يجوز الوضوء به ؟
5 - توضأ شخص من إناء وجمع الماء المتساقط من أعضائه في وعاء وأراد الوضوء به مرة أخرى فهل يجوز ولم ؟
6 - توضأ شخص من إناء, فلما أنهى وضوءه بقي ماء في الإناء, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
7 - اغتسل شخص لصلاة الجمعة وكان الماء المتساقط منه يقع في إناء, فهل يجوز الوضوء من هذا الماء ولم ؟
8 - اغتسل شخص من حر شديد وجمع الماء المتساقط من أعضائه في إناء وأراد بعد ذلك الاغتسال به عن جنابة فهل يجوز ولم ؟
................................................................
1- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مطلق.
2- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مطلق.
3- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مطلق.
4- نعم يجوز ذلك بلا كراهة, لأنه ماء مطلق, وقد حكي إجماع أهل الطب على أن ذلك لا أثر له في البرص.
5- لا يجوز له ذلك, لأنه ماء مستعمل في رفع حدث.
6- نعم يجوز ذلك, لأن المستعمل هو المتساقط من الأعضاء لا الباقي في الإناء فهذا يسمى فضل الماء, أي ما فضل من وضوء المتوضئ.
7- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مستعمل في غير رفع حدث, ولكنه يكره عند عدم الاحتياج إليه, فإن احتيج إليه فلا كراهة.
8 - نعم يجوز له ذلك, لأنه ماء غير مستعمل في رفع حدث.
................................................................
9 - توضأ شخص عن حدث وجمع ماءه المستعمل في إناء وأراد أن يستنجي به, فهل يجوز له ذلك ولم ؟
10- وقع بول على ثوب فغسل بماء سبع غسلات وجمع الماء المتساقط من الثوب فطهر الثوب بعد الغسلة السابعة ولم يتغير الماء بعد هذه الغسلة, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
11 - وقع بول على ثوب فغسل بماء ست غسلات وجمع الماء المتساقط من الثوب فزالت النجاسة عن الثوب ولم يتغير الماء, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
12 - وقعت نجاسة على منضدة فغسلت بالماء وجمع الماء المتساقط في إناء فوجدنا المنضدة قد طهرت والماء فيه أجزاء صغيرة من النجاسة, فهل يجوز تبريد الجسم به ؟
13 - وقعت نجاسة على منضدة فغسلت بالماء ثلاث غسلات وجمع الماء المتساقط في إناء فوجدنا المنضدة زالت عنها النجاسة والماء المتساقط غير متغير, فهل يجوز الوضوء به ؟
14 - بال طفل على سجادة فغسلنا السجادة بالماء سبع غسلات ولكن لا يزال فيه رائحة النجاسة وكنا قد جمعنا الماء المتساقط في إناء فوجدناه لم يتغير فيه شيء, فهل يجوز الوضوء به ؟
................................................................
9- لا يجوز له ذلك, لأنه ماء مستعمل في رفع حدث فلا تزال به النجاسة.
10- لا يجوز, لأنه ماء استعمل في إزالة النجاسة فهو طاهر غير مطهر.
11- لا يجوز, لأنه لا بد من سبع غسلات حتى تزول النجاسة حقيقة وحكما, فهنا زالت النجاسة حقيقة إلا أنها باقية حكما, أي أننا لا نحكم على المحل أنه قد طهر إلا بعد الغسلة السابعة إن زالت النجاسة حقيقة, وأما قبل السابعة فنحكم بنجاسته ولو زالت النجاسة حقيقة, لأنه كما بينا في الشرح أنه لا بد من سبع غسلات, وكذلك الماء المنفصل عن هذه الغسلات الثلاث نجس لأنه انفصل عن محل نجس, والماء المنفصل تابع للمحل إن طهر طهر وإن لم يطهر المحل لم يطهر الماء.
12- لا يجوز, لأنه ماء نجس متغير بالنجاسة, والنجس لا يجوز استعماله مطلقا.
13- لا يجوز, لأنه لا بد من سبع غسلات حتى يطهر المحل حقيقة وحكما, وهنا قد زالت النجاسة عن المحل حقيقة ولكننا نحكم بنجاسته لأن الغسلات السبع شرط ولم تتحقق هنا.
14- لا يجوز, لأن المحل مادام نجسا فالماء المنفصل عنه نجس لأنه تابع له.
................................................................
15- عندنا ماء بئر موضوع في دلو سقط فيه حليب بقر فتغير لون الماء قليلا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
16 - خلط ماء بماء ورد فصارت رائحة الخليط هي رائحة الورد, فهل يجوز الاغتسال به عن الجنابة ولم ؟
17 - سقط صابون في ماء فتغير الماء به كثيرا, فهل يجوز للمرأة أن تستعمله في غسل الحيض ولم ؟
18- سقط زيت طعام في ماء فتغيرت رائحته كثيرا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
19 - سقط كافور صلب في ماء رائحته به كثيرا, فهل يجوز الاغتسال منه في الجنابة ولم ؟
20 - سقط بول في ماء قليل مقداره 50 كغم ولم يتغير, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
21 - سقط بول في ماء وزنه 200 كغم فوجدناه قد تغيرت رائحته قليلا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
................................................................
15- نعم يجوز, لأنه تغير الماء بالطاهر قليل فيبقى مطلقا.
16- لا يجوز, لأن الماء تغير كثيرا بالطاهر فيصير طاهرا غير مطهر.
17- لا يجوز, لأن الماء تغير بالطاهر كثيرا فسلب منه إطلاق الماء فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس.
18- نعم يجوز, لأن الزيت مجاور للماء وليس مخالطا له بدليل أنه يتميز ويطفو فوق الماء فهو لا يمنع وصول الماء إلى البشرة إن استعمل مع الماء لأنه ليس له جرم ومادة يابسة, ومع ذلك يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه.
وهنا ينبغي التأكد من وصول الماء إلى البشرة بصورة كاملة, لأنه بسبب لزوجة الدهن قد يتزحلق الماء وينحرف عن البشرة, وينبغي التأكد حين مسح الشعر أن يمسح بماء لا بطبقة دهن وإلا لم يصح وضوئه إن مسح بغير الماء, وأما إذا كان الدهن جامدا فلا بد من تنحية طبقة الدهن, لأن لها جرما يحول بين وصول الماء إلى البشرة.
19- نعم يجوز, لأن الكافور الصلب يجاور الماء بدليل أنه يستقر في أسفل الماء, ولا يضر الماء في هذه الحالة تغير رائحته لكن يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه.
20- لا يجوز, لأنه ماء قليل سقطت فيه نجاسة فيصير نجسا.
21- لا يجوز, لأن الماء قد تغير بالنجاسة فيصير نجسا.
................................................................
22 - سقطت نجاسة في خزان ماء يبلغ وزنه 191.250 كغم ولم يتغير الماء, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
23- سقط حبر في خزان ماء يبلغ 300 كغم فتغير لون الماء كثيرا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
24 - سقط خل في ماء فغير لونه كثيرا, فهل يجوز استخدامه في الطبخ ولم ؟
25 - تنجس ثوب فغمسناه في إناء فيه ماء قليل فنظف الثوب ولم يتغير الماء, فهل يجوز تبريد الجسم به ولم؟
26 - عندنا ماء صابون قليل تنجس بقطرة بول ووقع ماء الصابون المتنجس في ماء قليل وتغير الماء بماء الصابون قليلا, فهل يجوز استخدام هذا الماء في غسل الثياب ولم ؟
27 - عندنا ثياب نجسة فجاءت امرأة لتغسلها بالغسالة العادية وكان حوضها صغيرا فوضعت الماء الدافئ ثم وضعت الثياب وشغلت الغسالة, فهل طهرت الثياب ولم ؟
28 - عندنا ثياب نجسة فجئنا لنغسلها في غسالة ضخمة يسع حوضها أكثر من قلتين فوضعنا ماء يبلغ 200 كغم ثم وضعنا كمية كبيرة من التايت ثم وضعنا الثياب النجسة ثم شغلنا الغسالة فهل تطهر الثياب ؟
................................................................
22- نعم يجوز, لأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة.
23- لا يجوز, لأنه صار طاهرا غير مطهر, ولا يمنع بلوغه قلتين, لأن العبرة في باب الطاهرات هو التغير الكثير وليس بالقلتين.
24- نعم يجوز, لأنه طاهر في نفسه.
25- لا يجوز, لأن الماء الذي في الإناء قليل غمست فيه نجاسة فتنجس بها.
26- لا يجوز, لأن ماء الصابون صار نجسا بسقوط قطرة فيه, فإذا وقع في الماء الطهور القليل نجسه سواء تغير أم لا, فهنا نعامل ماء الصابون المتنجس معاملة البول ولا نعامله معاملة الطاهرات كي نقول إن تغير قليلا فلا يضر.
27- لا تطهر الثياب, لأن الثياب النجسة وردت على الماء, فهنا النجاسة قد وردت على ماء أقل من القلتين فينجس الماء وتبقى الثياب نجسة فيجب التنبه لذلك.
28- لا تطهر الثياب, لأن الماء قد صار بوضع التايت فيه وتغيره به كثيرا طاهرا غير مطهر فلا يزيل النجس, فالحل إذن هو غسل الثياب النجسة قبل وضعها في الغسالة.
والله تعالى أعلى وأعلم.
فهذه دروس في بيان المشهور من المذهب أطرحها بين يدي إخواني مساهمة مني في خدمة مذهب إمامنا إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله تعالى وأعظم أجره وقدس روحه -, وإنما اقتصرت فيه على المشهور من مذهب أئمتنا الحنابلة ليكون عمدة للمتمذهبين على مذهب الحنابلة الكرام - عليهم رحمة ذي الجلال والإكرام -, علما بأن اقتصاري على بيان المشهور من مذهب الإمام لا يعني بالضرورة أن أتبنى كل ما دونه الأصحاب الكرام وصار هو المشهور عندهم, وإنما هذا البيان إنما هو لتدوين المشهور والصحيح من مذهب الأصحاب كي يكون عمدة للمتمذهبين على مذهب الحنابلة الكرام كما تقدم, وأيضا ليس هو دعوة للتعصب, وإنما هو تأصيل للمبتدئين ليسهل عليهم المرور على فروع الفقه بأيسر الطرق والأسباب, فليس من المناسب لمن يَدْرُس متنا فقهيا لأول وهلة أن يُقحَم في معرفة الخلاف في المذهب الذي ينتسب إليه فكيف بذكر الخلاف العالي؟!, والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
وستكون طريقة الدروس ببيان المشهور من المذهب مع ذكر مسائل معاصرة تدعو الحاجة إليها, أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعل ما أسطره هنا حجة لي لا علي وأن يجعله مباركا نافعا لقائله وقارئه وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وأن لا يجعل للشيطان ولا لأحد من الخلق فيه نصيبا, وأن يجعله لي ذخرا يوم ألقاه جل جلاله ويبقى لي أثرا بعد مماتي, إنه ولي ذلك والقادر عليه.
" مقدمة "
الفقه في اللغة هو: الفهم يقال: فَقِهَ الأمر إذا فهمه.
وفي الاصطلاح: معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين .
والأحكام الشرعية خمسة: الواجب والمستحب والمباح والمكروه والحرام.
فالواجب كالصلاة .
والمستحب كالتسوّك .
والمباح كالنوم.
والمكروه كالتكلّم أثناء قضاء الحاجة.
والحرام كالزنا .
والمكلف هو البالغ العاقل .
وقولنا : " المتعلقة بأفعال المكلفين " أي التي ترتبط بأقوال وأعمال البالغين العاقلين من صلاة وصيام وسواك وبيع وزواج ونحو ذلك بخلاف المتعلقة باعتقادات المكلفين كالإيمان بالله واليوم الآخر فهذه تبحث في علم العقيدة ، أما الفقه فهو الذي يبيّن لنا أحكام أفعالنا ما يجوز منها وما لا يجوز .
وفائدة دراسة الفقه: هو التمكّن به من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه إذْ إن المسلم لا يعرف مراد الله منه إلا بدراسة الفقه.
( كتاب الطهارة )
باب المياه
فالحسية: كالبول والغائط.
والمعنوية: كالشرك بالله تعالى والذنوب والمعاصي.
واصطلاحا: ارتفاع الحدث وما في معناه وزوال الخبث.
وفي هذا التعريف ثلاث فقرات إليك شرحها:
(أولا) : ارتفاع الحدث.
والحدث: وصف غير محسوس يقوم بالبدن يمنع مما تشترط له الطهارة .
ومعنى كونه ( غيرَ محسوس ) هو أن الشخص إذا أحدث لا يُعرف أ متوضئ هو أم محدث.
فمن بال - مثلا - فقد قام به وصف غير محسوس يسمى حدثا.
إذن فهو محدث لقيام هذا الوصف به, ولا يرتفع هذا الوصف عنه إلا إذا توضأ .
ومعنى قولنا: ( مما تشترط له الطهارة ) هو أن الحدث يمنع كل عمل اشترط الشرع له الطهارة كالصلاة فإنها لا تصح بدون وضوء.
ثم إن الحدث ينقسم إلى قسمين :
1 - حدث أصغر: وهو ما أوجب الوضوء.
كخروج البول والغائط.
مثال: من تغوط فقد قام به وصف غير محسوس يسمى حدثا أصغر, لأنه لا يوجب الغسل وإنما يوجب الوضوء .
2 - حدث أكبر: وهو ما أوجب الغسل.
كخروج المني وخروج دم الحيض من المرأة .
مثال: من جامع زوجته فقد قام ببدن كل واحد منهما وصف غير محسوس يسمى حدثا أكبر لأنه يوجب الغسل فلا يرتفع عن البدن إلا بالغسل .
مثال آخر: من حاضت من النساء فقد قام بها وصف غير محسوس يسمى حدثا أكبر لأنه يوجب الغسل أيضا .
(ثانيا): ما في معناه.
أي: ما في معنى ارتفاع الحدث لا ما في معنى الحدث .
فكأننا قلنا: الطهارة: ارتفاع الحدث وما في معنى ارتفاع الحدث .
والذي في معنى ارتفاع الحدث هو: كل طهارة لا تكون عن حدث أو لا يرتفع بها حدث .
مثال الطهارة التي لا تكون عن حدث: غسل الميت, فغسل الميت تعبدي وليس عن حدث. ومع ذلك يسمى طهارة فكان في معنى ارتفاع الحدث .
مثال آخر: تجديد الوضوء, فالوضوء على الوضوء السابق لا يكون عن حدث. ومع ذلك فإنه يسمى طهارة فكان في معنى ارتفاع الحدث .
ومثال الطهارة التي لا يرتفع بها حدث: من به حدث دائم كسلس بول إذا توضأ لوقت كل صلاة أبيح له الصلاة بذلك الوضوء مع أن حدثه قد يكون مستمرا, فهنا لم يرتفع حدثه ولكنه في معنى ارتفاعه .
مثال آخر: من تيمم لعذر يبيح التيمم, فهنا لم يرتفع حدثه ولكن هو في معنى ارتفاع الحدث, وذلك لأن التيمم كما سيأتينا - إن شاء الله تعالى - غير رافع للحدث وإنما هو مبيح لفعل الصلاة ونحوها مما تشترط له الطهارة .
(ثالثا): زوال الخبث.
والخبث: هو عين خبيثة مستقذرة شرعا .
كالبول والغائط ودم الحائض. وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى مفصلا في مبحث النجاسات .
" فصل في أقسام المياه "
الماء ثلاثة أقسام:
1 - طهور.
2 - طاهر.
3 - نجس.
فالماء الطهور: هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره .
ومعنى كونه ( طاهرا في نفسه ) هو أنه يجوز الشرب منه وكذا استعماله في الطبخ وإذا وقع على البدن والثياب والأرض لا ينجسها.
ومعنى كونه مطهرا لغيره: أنه يرفع الحدث ويزيل الخبث .
والطاهر: هو الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره .
ومعنى كونه ( طاهرا في نفسه ) هو أنه يجوز الشرب منه واستعماله في الطبخ وإذا وقع على البدن والثياب والأرض لا ينجسها.
ومعنى كونه ( غيرَ مطهر لغيره ) هو أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث .
والنجس: هو ما ليس طاهرا في نفسه ولا مطهرا لغيره .
ومعنى كونه ( ليس طاهرا في نفسه ) هو أنه لا يجوز الشرب منه ولا استعماله في الطبخ أو الغسيل وإذا وقع على البدن أو الثياب أو الأرض فإنه ينجسها .
ومعنى كونه غيرَ مطهر لغيره: أنه لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس.
فالخلاصة: هي أن الماء إن كان يجوز الشرب منه والوضوء به وإزالة الخبث به فهو طهور.
وإن كان يجوز الشرب منه ولا يجوز الوضوء ولا إزالة الخبث به فهو طاهر .
وإن كان لا يجوز الشرب منه ولا الوضوء ولا إزالة الخبث به فهو نجس .
" فصل في الطهور "
الطهور ثلاثة أنواع:
1 - طهور مباح .
2 - طهور مكروه.
3 - طهور محرم.
وإليك أيها الفاضل تفصيل كل نوع منها :
أولا: الطهور المباح: وهو الباقي على أصل خلقته التي خلقه الله تعالى عليها حقيقة أو حكما.
مثال الباقي على خلقته حقيقة: الماء الذي نزل من السماء كماء المطر أو ذوب الثلج والبرد, أو الماء الذي نبع من الأرض كماء البحار والأنهار والآبار - جمع بئر- والعيون.
ومثال الباقي على خلقته حكما:
أ - الماء الذي تغيّر بطول مكثه ويسمى: الآجن.
ب - والماء المتغير الذي نبت به طحلب وهو شيء أخضر لزج يخلق في الماء ويعلوه وهو معروف.
ت - أو تغير بسقوط أوراق الشجر عليه.
ث - أو تغير بمجاورة نجس كأن تكون جيفة ميتة بالقرب من الماء فيتغير بها بسبب الرياح.
ج - والماء المسخن بشمس قصد تسخينه أم لم يقصد كان في إناء منطبع أو لم يكن - والإناء المنطبع هو القابل للطرق بالمطرقة بحيث ينطبع وينطوي كالنحاس والحديد والألمنيوم - ولو في بلاد حارة, وكذا المسخن بشيء طاهر كالحطب ونحوه.
مثال: عندنا إناء من نحاس فيه ماء في السودان سخنته الشمس بحرارتها فلا يكره هذا الماء أي يجوز الوضوء به بلا كراهة.
فهنا الماء في هذه الأمثلة قد تغير حقيقة بما ذكرنا كأن تغيّر لونه بالطحلب أو رائحته بمجاورة الميتة أو طعمه بسبب طول المكث لكن مع هذا حكمنا عليه أنه باق على خلقته, وذلك لأن هذه الأشياء التي غيرته لم تسلبه الطهورية فهو طاهر في نفسه مطهر لغيره.
ثانيا: الماء المكروه: وهو الماء الذي وجد فيه سبب يدعو لكراهته شرعا مع صحة الطهارة به.
وذلك مثل:
أ - الماء الذي اشتد حره أو برده لمنعه كمال الطهارة حينئذ.
ب - والماء المتغير بمجاورة طاهر وقع فيه ولم يخالطه أي لم يمازجه, كالمتغير بدهن وقطع كافور ( وهو نوع من الأطياب النباتية, شفافة مائلة إلى البياض, ويكون صلبا أي: قطعا ويمكن أن يدق ).
ت - المتغير بملح مائي.
ث - والماء المسخن بنجس كأن يسخن الماء بروث حمار.
فهذا النوع من الماء يكون طهورا ولكنه يكره استعماله مع عدم الحاجة إليه, فإن احتيج إليه ارتفعت الكراهة وصار طهورا غير مكروه والحالة هذه.
مثال: حضرت الصلاة جماعة من الناس وعندهم ماء قليل بعضه متغير بملح مائي فهنا يستعمل هذا الماء بلا كراهة للحاجة إليه، فإذا كان الماء متوفرا فأي داع لاستعمال المكروه.
توضيح في الفرق بين الملح المائي والملح الجبلي:
الملح المائي: هو الذي يكون أصله الماء.
وطريقة استخراجه أن تحفر حفرة كبيرة في أرض سبخة ويوضع فيها ماء البحر ويترك في الشمس فتبخر بحرارتها الماء ويبقى الملح، فهذا ملح مائي.
والملح الجبلي أو الصخري: هو الملح المستخرج من الصخور، ويسمى بالملح المعدني.
وهو يستخرج من الجبال أي من الصخور فتجد في بعضها أملاحا كما يوجد في غيرها من المعادن كالذهب والفضة، فهذا ملح جبلي أو صخري .
وحكم الملح المائي: أنه إذا وضع في الماء الطهور وتغير به أي: صار مالحا فإنه لا يسلب الطهورية عن الماء فلذا يجوز الوضوء به لأن أصله ماء.
وحكم الملح الجبلي ( المعدني ): أنه إذا وقع في الماء وتغير به كثيرا فإنه يصير طاهرا غير مطهر.
ثالثا: الماء المحرم: وهو الماء الذي لا يرفع الحدث ولكنه يزيل النجس.
وذلك مثل الماء المغصوب أو المسروق أو كماء بئر غير الناقة من ثمود قوم صالح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .
فهذه المياه يحرم استعمالها فمن تطهر بها لا يرتفع حدثه ولكن يزال بها الخبث.
مثال: لو أن شخصا توضأ بماء مغصوب أو مسروق فلا يصح وضوؤه ولا يرتفع حدثه.
لكن لو أزال بها نجاسة على بدنه أو ثوبه أو على الأرض فإنها تزول بهذا الماء.
مثال آخر: لو أن شخصا ذهب إلى ديار ثمود فتوضأ من إحدى تلك الآبار سوى بئر الناقة فإنه لا يصح وضوؤه ولا يرتفع حدثه, لكن لو أزال بها نجاسة على بدنه أو ثوبه أو على الأرض فإنها تزول بهذا الماء.
أما لو توضأ من بئر الناقة صح وضوؤه وارتفع حدثه ومن باب أولى تزول النجاسة.
" فصل في الطاهر "
الماء الطاهر نوعان:
1 - الماء المستعمل.
2 - الماء المتغير بطاهر.
أولا: الماء المستعمل: وهو الماء الذي رفع بقليله - دون القلتين - حدث أو أزيل به نجس.
وذلك مثل الماء المتقاطر من أعضاء المتوضئ لرفع حدث أو المغتسل من الجنابة, فهذا يسمى ماء مستعملا فلا يجوز الوضوء به ولا الاغتسال ولا إزالة النجاسة, لأنه وإن كان طاهرا في نفسه إلا أنه غير مطهر لغيره كما تقدم في تعريفه.
والسبب في " عدم كونه مطهرا لغيره " هو أنه لما رفع به الحدث أو أزيل به النجس ذهبت قوته فلم يعد صالحا للوضوء والغسل وإزالة النجاسة.
أما الماء المستعمل للتبرد أو التنظف فليس من قبيل المستعمل لأنه لم يُرفع به حدث أو يُزَل به نجس, بل هو باق على طهوريته يجوز رفع الحدث به وكذا إزالة النجس, وذلك لبقاء قوته على التطهير.
ونظير الماء المستعمل في رفع حدث الماء المستعمل في إزالة نجس, فلو سقط بول - مثلا - على ثوب, فألقينا على محل النجاسة من الثوب ماء طهورا ثم تساقط الماء من الثوب وجمعناه في إناء, فهذا الماء يصبح طاهرا غير مطهر, وذلك بشرطين :
1- أن يطهر المحل النجس من الثوب في الغسلة السابعة.
بمعنى أننا ننظر إلى محل النجاسة من الثوب بعد غسله سبع مرات هل زال لون النجاسة وذهب ريحها وطعمها أو لا ؟ فإذا زالت آثار النجاسة طهر الثوب فيكون الماء الذي طهره وانفصل عنه في الإناء في الغسلة السابعة طاهرا غير مطهر.
أما إذا لم يطهر محل النجاسة من الثوب فإن الماء يكون نجسا والحالة هذه أي أن الماء المستعمل في إزالة النجاسة يكون تابعا للمحل, إن طهر المحل بعد الغسلة السابعة طهر الماء وإن لم يطهر بعد الغسلة السابعة واحتيج إلى أكثر من سبع غسلات لم يطهر الماء, وهكذا حتى يطهر المحل, ولا ينقص عن سبع غسلات فإن نقص بقي المحل نجسا إما حقيقة أو حكما. أي : ولو نظف حقيقة فإننا نحكم بنجاسته ما دام أن الغسلات دون السبع فالنجاسة كي تزول لا بد لها من سبع غسلات.
2 - أن لا يتغير الماء المستعمل في التطهير في الغسلة السابعة.
بمعنى أننا ننظر إلى الماء المتساقط في الإناء المنفصل عن محل التطهير في الغسلة السابعة, هل فيه لون أو طعم أو ريح النجاسة أولا ؟ فإن لم نجد فيه ذلك بعد الغسلة السابعة كان طاهرا غير مطهر, وإن وجدنا لون النجاسة أو طعمها أو ريحها كان الماء المنفصل عن محل التطهير بعد الغسلة السابعة نجسا.
فعلم أنه لا تزول النجاسة عن المحل بأقل من 7 غسلات حتى وإن ظهر لنا أن الثوب قد نظف لكننا نحكم بنجاسته، فحينئذ تكون الغسلات المستعملة من الماء من رقم 1 إلى رقم 6 نجسة دائما.
وأما الغسلة رقم 7 فننظر إن طهر المحل بها وليس في الماء أثر للنجاسة فالماء طاهر غير مطهر.
وأما الغسلة رقم 8 وما بعدها إن وجدت فالماء يعتبر طهورا ما دام أن الثوب قد طهر في الغسلة السابعة لأن الماء حينئذ يكون قد لاقى محلا طاهرا فيبقى على طهوريته.
فتلخص من ذلك كله أن الماء المستعمل هو طاهر في نفسه غير مطهر لغيره, وهو نوعان:
1 - المستعمل في رفع حدث إذا كان قليلا - دون القلتين -, وقلنا: إنه إذا لم يستعمل في رفع حدث بل للتبريد أو التنظيف فإنه يبقى طهورا على أصله يرفع الحدث ويزيل الخبث .
2 - المستعمل في إزالة النجس, وقلنا: إنه لا بد من توفر شرطين:
1 - طهارة المحل بعد الغسلة السابعة.
2 - عدم تغير الماء بعد الغسلة السابعة.
فإذا توفر الشرطان فالماء المستعمل في إزالة النجاسة طاهر غير مطهر حاله كحال الماء المستعمل في رفع حدث بلا فرق.
ومتى فقد أحد هذين الشرطين كان الماء نجسا.
ثانيا: الماء المتغير بطاهر: وهو الماء الذي اختلط به طاهر فتغير كثيرا لونه أو طعمه أو ريحه.
فيشترط في التغير بالطاهر ثلاثة أمور:
1- أن لا يشق صون الماء عنه.
فقد مضى معنا أن المتغير بطول مكثه أو بطحلب نبت فيه أو بأوراق شجر سقطت فيه يبقى على طهوريته حكما كما تقدم, لأنه يشق علينا أن نصون الماء عن هذه الأشياء, ولذا لو أن آدميا قام بإلقاء أوراق الشجر على الماء فتغير تغيرا كثيرا بذلك الفعل كان الماء طاهرا غير مطهر, لأنه يمكن أن نمنع ذلك الآدمي عن هذا الفعل, لكننا لا يمكن أن نمنع أوراق الشجر من التساقط, والمشقة تجلب التيسير.
مثال الماء الذي تغير بشيء طاهر غير ما ذكرنا سابقا مما يشق صون الماء عنه: الماء الذي سقط فيه صابون وتغير الماء به, فهنا عندنا ماء طهور اختلط بمادة طاهرة وهي الصابون, فتغير الماء بذلك الصابون وصار لونه أو طعمه أو ريحه لون أو طعم أو ريح الصابون, أي لم يبق الماء على صفاته الأصلية التي خلقه الله تعالى عليها فيصير الماء طاهرا غير مطهر, أي إنه انتقل بسبب مخالطة الصابون له من الطهورية إلى الطاهرية .
ومثل الصابون ماء الورد والخل والشاي والحليب والعصير وغيرها من الطاهرات.
2 - أن يكون التغير كثيرا.
وضابط التغير الكثير أن يزول وصف الإطلاق عن الماء بحيث من رآه لا يسميه ماء فقط بل يقيده فيقول: ماء صابون أو ماء ورد أو ماء خل أي يضيفه للطاهر الذي خالطه.
مثال: سقط طاهر في الماء مثل قليل من الشاي فوجدنا أن الماء تغير به تغيرا قليلا بحيث لا تزال صفات الماء الأصلية هي الغالبة, فمن رآه والحالة هذه يسميه ماء فهذا يبقى طهورا على أصله يرفع الحدث ويزيل الخبث .
أما إذا وجدنا أن التغير صار كثيرا بحيث صار يسمى ماء شاي فهذا غير مطهر لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث .
3 - أن يكون تغير الماء بالمخالطة.
والمخالطة: هي أن لا يتميز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة.
مثل الماء الذي سقط فيه صابون فهنا ننظر بأعيننا إلى الماء فلا نستطيع أن نميز الصابون عن الماء أي أن الصابون لم يطف فوق الماء فقط, ولم يستقر في الأسفل فقط بحيث صار معزولا عن الماء, وإنما اختلط وامتزج بالماء فصارا خليطا واحدا.
أما إذا لم يخالطه بل جاوره فقط فهنا يبقى الماء طهورا وإن تغير بهذا المجاور تغيرا كثيرا إلا أنه يكره استعماله والحالة هذه مع عدم الاحتياج إليه كما تقدم في القسم الثاني من أقسام الماء الطهور وهو الطهور المكروه.
والمجاورة: أن يتميز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة .
مثال ذلك: الماء الذي سقطت فيه خشبة, فهنا قد تميز الماء عن الخشبة, فهذا يسمى مجاورة, فلو بقيت الخشبة فترة طويلة فوجدنا أن الماء قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه فالماء يبقى طهورا على أصله لأن الخشبة لم تخالط وتمتزج بالماء بل جاورته.
ومثل الذي سقط فيه عود مطيب أو قطع كافور - نوع من الأطياب النباتية - بحيث يجعل الماء ذا رائحة طيبة, فهذا أيضا تغير بالمجاورة فلا يضر الماء ويبقى طهورا على أصله, لأن العود أو قطع الكافور لم تمتزج به بل جاورته.
ومثل الماء الذي سقط فيه تفاح أو فاكهة أخرى ولم يتحلل منها شيء فلا يضر الماء ويبقى طهورا على أصله لعدم المخالطة.
ومثل الماء الذي سقط فيه هيل فإنه سوف تتغير رائحته به, فلا يضر ولو كان التغير كثيرا, لأن الهيل لا يمازج الماء بل يجاوره.
ومثل الماء الذي سقط فيه دهن ولو كان سائلا فإنه سوف يطفو فوق الماء ولا يخالطه فلا يضر الماء ويبقى على أصله طهورا.
فتلخص من ذلك: أن كل مادة طاهرة لا تمتزج بالماء بأن كانت صلبة ولا يتحلل منها شيء أو كانت فيها دهنية كدهن الطعام والشحم والشمع فهذه تجاور الماء ولا تخالطه فلا تضر طهورية الماء وإن غيرته تغيرا كثيرا. إلا أنه كما بينا سابقا يكون استعماله مكروها والحالة هذه مع عدم الاحتياج إليه, فإن احتيج إليه ارتفعت الكراهة .
فالخلاصة هي أن الماء المتغير بطاهر يكون طاهرا غير مطهر بثلاثة شروط:
1- أن لا يشق صون الماء عنه فإن شق بقي طهورا على أصله.
2 - أن يكون التغير كثيرا بحيث يسلب إطلاق اسم الماء, أما إن كان قليلا فلا يضر ويبقى الماء طهورا.
3 - أن يكون التغير حصل بمخالطة للطاهر, أما إذا حصل بمجاورة فلا يضر ويبقى الماء طهورا حتى وإن تغير به تغيرا كثيرا مع كراهة استعماله حينئذ إذا لم يحتج إليه كما بينا مرارا.
" فصل في النجس "
النجس: هو الماء الذي حلت فيه نجاسة.
وهو نوعان:
1 - قليل بأن يكون أقل من القلتين.
2 - كثير بأن يكون قلتين فأكثر وتغير بالنجاسة.
والقلتان = 500 رطل بغدادي.
والرطل البغدادي = 382.5 غم
فالقلتان = 500 × 382.5 = 191.250كغم.
فالماء إذا بلغ وزنه 191.250 كغم فهو كثير, وإن لم يبلغ فهو قليل.
فالماء القليل إذا حلت فيه نجاسة تنجس مباشرة سواء تغير لون الماء أو طعمه أو ريحه أم لم يتغير وسواء كان الماء جاريا أم راكدا .
لكن يستثنى من ذلك محل التطهير.
ومحل التطهير: هو المحل الذي أصابته نجاسة فنقوم بتطهيره بالماء كي نزيل النجاسة عنه, وسمي محل التطهير لأنه يقصد تطهيره.
مثال ذلك: عندنا إناء من الماء يسع 20 كغم سقطت فيه قطرة بول فوجدنا أن الماء لم يتغير بالنجاسة لأنها قليلة جدا فهنا يصير الماء نجسا رغم عدم التغير, لأن القاعدة تقول: " إن الماء الذي لم يبلغ قلتين ينجس بحلول النجاسة فيه تغير أم لم يتغير ".
مثال آخر: عندنا ماء غدير يجري فوقعت فيه نجاسة, فنظرنا إلى مجموع الماء الجاري الذي وقعت فيه النجاسة فإذا هو أقل من القلتين, والنجاسة الذي وقعت فيه لم تغيره, فهنا يصبح الماء نجسا رغم عدم التغير لأنه لم يبلغ القلتين بمجموعه.
وتبين لنا من خلال هذا المثال أن حكم الماء الجاري كالراكد مثلا بمثل سواء بسواء.
مثال آخر: عندنا ثوب وقعت فيه نجاسة, فقمنا بغسل هذه النجاسة بالماء, فالمكان الذي وقعت عليه النجاسة وقمنا بغسله يسمى محل التطهير لأننا نقوم بتطهيره, فالماء الوارد على هذه النجاسة قليل لكنه مادام في محل التطهير طهور وليس بنجس, لأننا إن قلنا بنجاسته لم يمكن تطهير نجاسة على وجه الأرض مطلقا بماء قليل, لأنه كلما ألقينا الماء ولاقى محل النجاسة من الثوب سوف يتنجس, فلذا استثنيناه, لكن إن انفصل هذا الماء القليل عن محل التطهير فهو نجس في الست الغسلات وفي السابعة ننظر إن كان انفصل غير متغير فهو طاهر غير مطهر وإن كان قد انفصل متغيرا بالنجاسة فهو نجس كما بينا سابقا.
والماء الكثير وهو الذي يبلغ قلتين فأكثر إذا حلت فيه نجاسة فله حالتان:
1 -أن لا يتغير بالنجاسة فلا يصير نجسا.
مثال ذلك: أن يوجد عندنا خزان ماء كبير يسع قلتين فأكثر سقط فيه بول فنظرنا إلى لون الماء فلم يتغير, وذقنا الماء فلم نجد طعم الماء تغير, وشممنا رائحة الماء فلم نجد رائحة الماء تغيرت.
فهذا الماء يرفع الحدث ويزيل الخبث .
2 - أن يتغير بالنجاسة فيصير نجسا.
مثال ذلك: أن يوجد عندنا خزان ماء كبير يسع قلتين فأكثر سقطت فيه نجاسة فنظرنا إلى الماء فوجدناه قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه فهو نجس .
ولايشترط أن تتغير كل الأوصاف, بل تغير أحدها كاف للحكم عليه بالنجاسة .
" تنبيهات "
الأول: قلنا: إن الماء الطهور إذا خالطه طاهر وتغير به تغيرا قليلا فلا يضر ويبقى الماء طهورا, وأما إذا تغير به تغيرا كثيرا فيصبح طاهرا غير مطهر, وهذا الكلام في الطاهر. أما في النجس فالماء الطهور إذا حلت فيه نجاسة وغيرته صار نجسا سواء كان التغير قليلا أم كثيرا.
والسبب في ذلك أن النجاسة أمرها غليظ بخلاف الطاهر فأمره هين.
الثاني: قلنا: إن الماء القليل وهو مادون القلتين ينجس بمجرد الملاقاة ولا عبرة بالتغير, وهنا قد يتساءل الطالب فيقول: أنتم قلتم: إن الماء المستعمل في إزالة النجاسة هو طاهر مادام المحل طاهرا ولم يتغير الماء بعد الغسلة السابعة, فهنا يكون عندنا ماء قليل لاقى النجاسة واتصل بها - لأنه حينما يسكب الماء على النجاسة لا بد أن يلاقيها ويتصل بها - ومع هذا انتقل الماء من كونه طهورا إلى طاهر, فلم لم ينتقل من طهور إلى نجس ؟
والجواب: هو أن هذا الكلام صحيح, فالماء القليل المستعمل في إزالة النجاسة يصبح طاهرا بالشرطين المذكورين, فهو مستثنى من قاعدة " إن الماء الذي لم يبلغ قلتين ينجس بملاقاة النجاسة تغير أم لم يتغير ".
والسر في ذلك هو أن الماء المستعمل وارد على النجاسة, وأما في الماء القليل إذا سقطت فيه نجاسة فهي الواردة على الماء, بمعنى أننا حينما نريد أن نطهر الثوب نسكب ونلقي الماء على الثوب فيكون الماء قويا بسبب الحركة والإلقاء, ولكن حينما يوجد عندنا إناء فيه ماء قليل وتسقط فيه قطرة بول يكون الماء ساكنا ضعيفا والنجاسة قوية واردة عليه فتنجسه.
وأيضا لو أننا قلنا بنجاسته في هذه الحالة ما طهرت نجاسة بماء قليل مطلقا كما بينا في ثنايا الشرح.
فتلخص من ذلك: أن الماء القليل إذا كان واردا على النجاسة صار طاهرا بالشرطين المذكورين.
وإذا كانت النجاسة واردة عليه صار نجسا.
مثال ذلك: عندنا ثوب متنجس غمسناه في إناء ماء, فهنا ينجس الماء ولا يطهر الثوب, وذلك لأن الماء القليل لاقى نجاسة فينجس, وإذا نجس فقطعا لن يطهّر الثوب.
وهنا مسألة مهمة لابد من التنبه لها: وهي الثياب التي تغسل في الغسالات الحديثة, فهنا ينبغي أن تغسل الثياب النجسة قبل وضعها في الغسالة وإلا أدى ذلك إلى نجاسة الماء ومن ثم نجاسة جميع الثياب التي ستوضع في الغسالة حتى ولو كانت طاهرة, لأن الماء الذي يوضع في الغسالات الحديثة قليل وهنا قد لاقى نجاسة فينجس وينجس كل ما غسل به من الثياب .
مثال آخر: عندنا ثوب متنجس غمسناه في خزان ماء يبلغ قلتين أو أكثر, فهنا يطهر الثوب ويبقى الماء طهورا مادام أنه لم يتغير بالنجاسة, لأن الماء الكثير لا ينجس إلا بالتغير سواء أكان واردا على النجاسة أم كانت النجاسة واردة عليه.
أما الماء القليل إذا وردت النجاسة عليه نجس تغير أم لا, وإن ورد هو على النجاسة فهذا فيه تفصيل: وهو إن طهر المحل بعد الغسلة السابعة ولم يتغير الماء بعدها فهو طاهر, وإن لم يطهر المحل بعد الغسلة السابعة أو كان الماء متغيرا بعد السابعة فهو نجس.
الثالث: لا فرق في التغير بالطاهر بين أن يكون مقدار الماء قلتين أو دون القلتين, لأن المدار فيه على التغير القليل والكثير وليس على القلتين, فإن تغير قليلا لم يضر وإن تغير كثيرا ضر.
مثال : عندنا ماء يبلغ 100 قلة وتغير بالصابون - مثلا - تغيرا كثيرا فهذا طاهر غير مطهر.
الرابع: أن الماء إذا تنجس فإنه ينجس غيره.
مثال: عندنا ثلاثة آنية فيها مياه مطلقة, في الإناء الأول 50 رطلا من الماء, وفي الإناء الثاني 100 رطل من الماء, وفي الإناء الثالث 450 رطلا من الماء, سقطت في الإناء الأول قطرة بول فتنجس الماء لأنه قليل فأخذنا قطرة ماء من الإناء الأول المتنجس ماؤه بقطرة البول وأسقطناها في الإناء الثاني فسيتنجس الماء لأنه قليل, ثم أخذنا قطرة من الإناء الثاني المتنجس بماء الإناء الأول وأسقطناها في الإناء الثالث فهنا سينجس الماء أيضا لأنه قليل, وهكذا لو كان عندنا أكثر من ثلاثة .
والقصد هو أن الماء المتنجس صار كقطرة البول ينقل النجاسة إلى غيره .
الخامس: قلنا في القلتين: إنها = 500 رطل بغدادي, والرطل البغدادي = 382.5 غم, فهذا الرطل البغدادي هو المعتبر في المقادير الفقهية, وهناك أرطال أخرى كالرطل الشامي والرطل المصري يختلف مقدارها عن الرطل البغدادي, ولكنها لا تهمنا لأن المعول على الرطل البغدادي.
السادس: قلنا: إن القلتين = 500 رطل بغدادي ، وهذا المقدار تقريبي ، فلو نقصت القلتان رطلا أو رطلين فلا يضر ويبقى الماء كثيرا لا ينجس إلا بالتغيّر بمعنى أن القلتين = 191.250 كغم فلو نقص رطلين أي 765 غم أو أقل فيبقى المقدار قلتين لأن تقدير القلتين بـ 500 رطل أمر تقريبي وليس تحديديا، ولكن لو زاد النقص على الرطلين ولو رطلا واحدا فهذا يضر فيكون الماء الذي نقص 3 أرطال عن القلتين قليلا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة .
السابع: الماء المستعمل لا يجوز استعماله في العبادات ويجوز استعماله في العادات فلا يصح التطهر بالماء المستعمل ولو في طهارة مستحبة كالوضوء على الوضوء.
الثامن: ذكرنا أن النجاسة لا تزول إلا بالماء الطهور فقط ولا تزول بأي مزيل آخر, وعليه فمن أصابت ثوبه نجاسة وأراد أن يغسله بالبخار فنقول له: اغسل النجاسة التي وقعت عليه أولا بالماء الطهور حتى تزول تلك النجاسة وبعد ذلك اغسله بالبخار - إن شئت -. والغسل بالبخار: هو أن توضع بعض المركبات الكيميائية على الثوب الذي يراد غسله لتزيل ما علق به من أوساخ أو نجاسات, ثم يغسل الثوب كاملا ببخار الماء غسلا لا يصل إلى حد تقاطر الماء.
وأيضا لا تزول النجاسة بالكلور, أو بتشميسها, أو بنشافها بسبب الريح, أو بالتراب, أو بحكها, أو بمسحها, ونحو ذلك, حتى لو زالت حقيقة, فإنها باقية حكما, أي: أننا نحكم على المكان المتنجس بأنه نجس حتى يغسل بالماء الطهور.
" خلاصة باب المياه "
الماء ثلاثة أقسام:
الأول: الطهور: وهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره .
وهو ثلاثة أنواع:
1 - الطهور غير المكروه وهو الماء المطلق الذي يسمى ماء بلا قيد.
2 - الطهور المكروه وهو المتغير بغير ممازج كقطع كافور ودهن ونحوها .
3 - الطهور المحرم كالمغصوب والمسروق وكغير بئر الناقة من ثمود .
ثانيا: الطاهر: وهو الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره .
وهو نوعان:
1 - الماء المستعمل .
وهو نوعان أيضا :
أ - المستعمل في رفع حدث .
ب - المستعمل في إزالة نجس, ويشترط فيه أمران:
** أن يطهر المحل بعد الغسلة السابعة .
** أن لا يتغير الماء بعد الغسلة السابعة .
2 - الماء المتغير بطاهر, ويشترط فيه ثلاثة أمور :
** أن لا يشق صون الماء عنه.
** أن يكون التغير كثيرا بحيث يسلب اسم الماء.
** أن يكون التغير بالمخالطة, وهي أن لا يتميز الطاهر عن الماء بعين الباصرة .
ثالثا: الماء النجس: وهو الماء الذي حلت فيه نجاسة .
وهو نوعان:
1 – القليل: وهو مادون القلتين, فهذا ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة تغير أم لم يتغير .
2 – الكثير: وهو ما كان قلتين فأكثر, فهذا لا ينجس إلا إذا تغير بالنجاسة .
والقلتان = 500 رطل بغدادي .
والرطل البغدادي = 382.5 غرام .
فمجموع القلتين = 191.250 كغم .
ويعفى عن نقص رطلين لا أكثر.
" أسئلة الطلاب "
س1: لماذا فرقتم بين الماء المستعمل في طهارة واجبة والماء المستعمل في طهارة مستحبة, فقلتم عن الأول : إنه طاهر غير مطهر, وقلتم عن الثاني : إنه طاهر مطهر لكنه يكره استعماله ؟ وما وجه كراهته ؟
الجواب: لأن الماء المستعمل في طهارة واجبة قد رفع به الحدث فزالت قوته ولم يعد صالحا للتطهير مرة أخرى, وأما المستعمل في طهارة مستحبة فلم يرفع به الحدث, لأنه مرفوع أصلا وإنما قصد به الثواب .
وأما وجه كراهته فلأن من أصحابنا من قال بأنه يصبح طاهرا غير مطهر كما لو رفع به حدث, فلوجود هذا الخلاف كرهناه, وأيضا لأن هذا الماء صار مترددا بين الطهورية والطاهرية فأعطيناه حكما بين حكمين وهو بقاء الطهورية مع الكراهة.
والخلاصة هي أننا لا نقصد بالماء المستعمل هو الذي استعمل أي استعمال كأن يبرد به البدن أو تغسل به الخضروات بل نقصد به ما استعمل في رفع حدث أو أزيل به نجس.
ولا نقصد به أيضا ما استعمل في أي عبادة كأن يستعمل في طهارة مستحبة, فالطهارة المستحبة وإن كانت عبادة ولكنها لا تؤثر على طهورية الماء, لأن العبرة هي أن يستعمل الماء في عبادة واجبة بحيث يرفع الحدث, فليست العلة استعمال الماء في عادة أو عبادة بل العلة في الحدث, فحيث وجد ذهبت طهورية الماء وحيث لم يوجد بقي الماء طهورا يرفع الحدث ويزيل النجس.
2س: هل الماء المستعمل في إزالة النجاسة طاهر أو نجس ؟
الجواب: الماء المستعمل في إزالة نجس يعد طاهرا في حال ونجسا في حال, فإذا استعمل في إزالة نجس وطهر المحل بعد الغسلة السابعة ولم يتغير الماء بعد هذه الغسلة فهو طاهر, فإن لم يطهر المحل بعد الغسلة السابعة أو تغير الماء بعد هذه الغسلة فهو نجس.
3س: هل هنالك ضابط سهل نميز به المخالطة عن المجاورة ؟
الجواب: نعم, وذلك من خلال الإشارة باليد, فإذا أمكن أن نشير للطاهر بإشارة وللماء بإشارة أخرى فهذا يعني أن الماء الطاهر قد تميز عن الماء فهذه مجاورة, وإذا لم تكن الإشارة لكل واحد منهما بإشارة فهذه مخالطة.
مثال: ماء سقط فيه عود فطفا على السطح, فهنا نشير باليد ونقول: هذا العود وهذا الماء فهذه مجاورة.
مثال آخر: ماء انسكب فيه حليب فامتزج مع الماء فلا يمكننا أن نشير إلى الحليب ونقول: هذا الحليب وهذا الماء, لأنه لم ينعزل الحليب عن الماء في جهة.
4س: ما هو الذي يميز القلة والكثرة في فصل الماء الطاهر عن القلة والكثرة في فصل الماء النجس ؟
الجواب: مدار القلة والكثرة في الطاهر على وجود اسم الماء المطلق من عدمه, فإذا كان التغير بالطاهر يبقى معه وصف الإطلاق فهذا التغير قليل لا يضر طهورية الماء, وإن كان وصف الإطلاق لا يبقى بحيث لم يعد يسمى ماء, بل يضاف إلى قيد ملازم كأن يقال: هذا ماء ورد أو ماء خل أو ماء صابون أو ماء شاي وهكذا فهذا يعني أن التغير كثير ويضر طهورية الماء.
وأما مدار القلة والكثرة في النجس فعلى بلوغ الماء قلتين من عدمه, فإن لم يبلغ القلتين فهو قليل, وإن بلغ القلتين فهو كثير.
فتلخص مما ذكرنا أن القلة والكثرة في الطاهر ينظر فيها إلى الاستعمال اللغوي والعرفي لكلمة الماء, فإن كان يصح أن يستعمل الماء بلا قيد فهذا التغير قليل, وإن كان لا يصح أن يستعمل بلا قيد فهذا التغير كثير وأما القلة والكثرة في النجس فينظر فيها إلى القلتين.
أي أن النظر في الأول إلى الاستعمال اللغوي والعرفي.
والنظر في الثاني إلى مقدار محدد واضح وهو القلتان.
5س: قلتم إن ما تغير بالمخالطة تغيرا كثيرا بحيث سلب إطلاق اسم عليه يصبح طاهرا غير مطهر, وهذا موجود في الملح المائي كما هو موجود في الملح المعدني, فلم فرقتم بينهما فقلتم إن الأول لا يؤثر على الماء والثاني يؤثر عليه ؟
الجواب: هذا الكلام صحيح, ولكن فرقنا بينهما لأن الملح المائي أصله الماء فهو متولد عن الماء فلذا استثنيناه من سائر ما يمازج الماء ويخالطه, بخلاف الملح المعدني فإنه يستخرج من الصخور المالحة فليس أصله الماء.
" مسائل نظرية "
الفقه – الطهارة - الحدث- الطهور – الطاهر – النجس- الماء المطلق – الماء المستعمل – المخالطة – المجاورة - القلتين- الرطل البغدادي .
................................................................
ج. س1:
الفقه: معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين.
الطهارة: فعل تستباح به الصلاة أو فعل لمجرد الثواب.
الحدث: وصف يقوم بالبدن يمنع الصلاة.
الطهور: الطاهر في نفسه المطهّر لغيره.
الطاهر: الطاهر في نفسه غير المطهر لغيره.
النجس: ما ليس طاهرا في نفسه ولامطهرا لغيره.
الماء المطلق: ما يسمى ماء بلا قيد.
الماء المستعمل: مارفع به حدث أو أزيل به نجس.
المخالطة: عدم تميّز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة.
المجاورة: تميّز الطاهر عن الماء بالعين الباصرة.
القلتان: مقدار يساوي 500 رطل بغدادي تقريبا لا تحديدا.
الرطل البغدادي: مقدار يساوي 382.5 غم.
س2: ما هي أقسام الماء وأنواع كل قسم ؟
س3: ما هي شروط طهارة الماء المستعمل في إزالة النجس ؟
س4: ما هي شروط طهارة الماء المتغيّر بطاهر ؟
س5: ماهي أحوال الماء إذا سقطت فيه نجاسة ؟
س6: ما هو سبب كون الماء المستعمل غيرمطهر ؟
................................................................
ج.س2: الماء ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس ، والطهور ثلاثة أنواع: طهور بلا كراهة وطهور بكراهة وطهور محرم لا يرفع الحدث ويزيل النجس، والطاهر نوعان مستعمل ومتغير بالطاهرات، والنجس نوعان قليل وكثير.
ج.س3: شرطان: طهارة المحل بعد الغسلة السابعة، وعدم تغيّر الماء بعدها .
ج.س 4: ثلاثة شروط: أن لا يشق صون الماء عنه, المخالطة ، التغير الكثير.
ج.س 5: حالتان:
الأولى: أن يكون قليلا فحينئذ ينجس بملاقاة النجاسة إلا إذا كان واردا على النجاسة وقد طهر المحل بعد سابع غسلة ولم يتغير الماء بعدها فإنه يصير طاهرا.
الثانية: أن يكون كثيرا فحينئذ لا ينجس إلا بالتغيّر.
ج.س 6: ذهاب قوته لمّا رفع به حدث أو أزيل به نجس.
" مسائل عملية "
1 - عندنا إناء فيه ماء صنبور ( حنفية ) هل يجوز الوضوء به ولم ؟2 - أمطرت السماء ونزل البرد فجمعناه في إناء وذاب, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
3 - ذهب جماعة إلى جبل فوجدوا عين ماء تنبع فيه, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
4 - خزان ماء من الألمنيوم سخنته الشمس في بلد حار حتى فصلت منه زهومة, فهل يجوز الوضوء به ؟
5 - توضأ شخص من إناء وجمع الماء المتساقط من أعضائه في وعاء وأراد الوضوء به مرة أخرى فهل يجوز ولم ؟
6 - توضأ شخص من إناء, فلما أنهى وضوءه بقي ماء في الإناء, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
7 - اغتسل شخص لصلاة الجمعة وكان الماء المتساقط منه يقع في إناء, فهل يجوز الوضوء من هذا الماء ولم ؟
8 - اغتسل شخص من حر شديد وجمع الماء المتساقط من أعضائه في إناء وأراد بعد ذلك الاغتسال به عن جنابة فهل يجوز ولم ؟
................................................................
1- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مطلق.
2- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مطلق.
3- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مطلق.
4- نعم يجوز ذلك بلا كراهة, لأنه ماء مطلق, وقد حكي إجماع أهل الطب على أن ذلك لا أثر له في البرص.
5- لا يجوز له ذلك, لأنه ماء مستعمل في رفع حدث.
6- نعم يجوز ذلك, لأن المستعمل هو المتساقط من الأعضاء لا الباقي في الإناء فهذا يسمى فضل الماء, أي ما فضل من وضوء المتوضئ.
7- نعم يجوز ذلك, لأنه ماء مستعمل في غير رفع حدث, ولكنه يكره عند عدم الاحتياج إليه, فإن احتيج إليه فلا كراهة.
8 - نعم يجوز له ذلك, لأنه ماء غير مستعمل في رفع حدث.
................................................................
9 - توضأ شخص عن حدث وجمع ماءه المستعمل في إناء وأراد أن يستنجي به, فهل يجوز له ذلك ولم ؟
10- وقع بول على ثوب فغسل بماء سبع غسلات وجمع الماء المتساقط من الثوب فطهر الثوب بعد الغسلة السابعة ولم يتغير الماء بعد هذه الغسلة, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
11 - وقع بول على ثوب فغسل بماء ست غسلات وجمع الماء المتساقط من الثوب فزالت النجاسة عن الثوب ولم يتغير الماء, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
12 - وقعت نجاسة على منضدة فغسلت بالماء وجمع الماء المتساقط في إناء فوجدنا المنضدة قد طهرت والماء فيه أجزاء صغيرة من النجاسة, فهل يجوز تبريد الجسم به ؟
13 - وقعت نجاسة على منضدة فغسلت بالماء ثلاث غسلات وجمع الماء المتساقط في إناء فوجدنا المنضدة زالت عنها النجاسة والماء المتساقط غير متغير, فهل يجوز الوضوء به ؟
14 - بال طفل على سجادة فغسلنا السجادة بالماء سبع غسلات ولكن لا يزال فيه رائحة النجاسة وكنا قد جمعنا الماء المتساقط في إناء فوجدناه لم يتغير فيه شيء, فهل يجوز الوضوء به ؟
................................................................
9- لا يجوز له ذلك, لأنه ماء مستعمل في رفع حدث فلا تزال به النجاسة.
10- لا يجوز, لأنه ماء استعمل في إزالة النجاسة فهو طاهر غير مطهر.
11- لا يجوز, لأنه لا بد من سبع غسلات حتى تزول النجاسة حقيقة وحكما, فهنا زالت النجاسة حقيقة إلا أنها باقية حكما, أي أننا لا نحكم على المحل أنه قد طهر إلا بعد الغسلة السابعة إن زالت النجاسة حقيقة, وأما قبل السابعة فنحكم بنجاسته ولو زالت النجاسة حقيقة, لأنه كما بينا في الشرح أنه لا بد من سبع غسلات, وكذلك الماء المنفصل عن هذه الغسلات الثلاث نجس لأنه انفصل عن محل نجس, والماء المنفصل تابع للمحل إن طهر طهر وإن لم يطهر المحل لم يطهر الماء.
12- لا يجوز, لأنه ماء نجس متغير بالنجاسة, والنجس لا يجوز استعماله مطلقا.
13- لا يجوز, لأنه لا بد من سبع غسلات حتى يطهر المحل حقيقة وحكما, وهنا قد زالت النجاسة عن المحل حقيقة ولكننا نحكم بنجاسته لأن الغسلات السبع شرط ولم تتحقق هنا.
14- لا يجوز, لأن المحل مادام نجسا فالماء المنفصل عنه نجس لأنه تابع له.
................................................................
15- عندنا ماء بئر موضوع في دلو سقط فيه حليب بقر فتغير لون الماء قليلا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
16 - خلط ماء بماء ورد فصارت رائحة الخليط هي رائحة الورد, فهل يجوز الاغتسال به عن الجنابة ولم ؟
17 - سقط صابون في ماء فتغير الماء به كثيرا, فهل يجوز للمرأة أن تستعمله في غسل الحيض ولم ؟
18- سقط زيت طعام في ماء فتغيرت رائحته كثيرا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
19 - سقط كافور صلب في ماء رائحته به كثيرا, فهل يجوز الاغتسال منه في الجنابة ولم ؟
20 - سقط بول في ماء قليل مقداره 50 كغم ولم يتغير, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
21 - سقط بول في ماء وزنه 200 كغم فوجدناه قد تغيرت رائحته قليلا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
................................................................
15- نعم يجوز, لأنه تغير الماء بالطاهر قليل فيبقى مطلقا.
16- لا يجوز, لأن الماء تغير كثيرا بالطاهر فيصير طاهرا غير مطهر.
17- لا يجوز, لأن الماء تغير بالطاهر كثيرا فسلب منه إطلاق الماء فلا يرفع الحدث ولا يزيل النجس.
18- نعم يجوز, لأن الزيت مجاور للماء وليس مخالطا له بدليل أنه يتميز ويطفو فوق الماء فهو لا يمنع وصول الماء إلى البشرة إن استعمل مع الماء لأنه ليس له جرم ومادة يابسة, ومع ذلك يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه.
وهنا ينبغي التأكد من وصول الماء إلى البشرة بصورة كاملة, لأنه بسبب لزوجة الدهن قد يتزحلق الماء وينحرف عن البشرة, وينبغي التأكد حين مسح الشعر أن يمسح بماء لا بطبقة دهن وإلا لم يصح وضوئه إن مسح بغير الماء, وأما إذا كان الدهن جامدا فلا بد من تنحية طبقة الدهن, لأن لها جرما يحول بين وصول الماء إلى البشرة.
19- نعم يجوز, لأن الكافور الصلب يجاور الماء بدليل أنه يستقر في أسفل الماء, ولا يضر الماء في هذه الحالة تغير رائحته لكن يكره استعماله مع عدم الاحتياج إليه.
20- لا يجوز, لأنه ماء قليل سقطت فيه نجاسة فيصير نجسا.
21- لا يجوز, لأن الماء قد تغير بالنجاسة فيصير نجسا.
................................................................
22 - سقطت نجاسة في خزان ماء يبلغ وزنه 191.250 كغم ولم يتغير الماء, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
23- سقط حبر في خزان ماء يبلغ 300 كغم فتغير لون الماء كثيرا, فهل يجوز الوضوء به ولم ؟
24 - سقط خل في ماء فغير لونه كثيرا, فهل يجوز استخدامه في الطبخ ولم ؟
25 - تنجس ثوب فغمسناه في إناء فيه ماء قليل فنظف الثوب ولم يتغير الماء, فهل يجوز تبريد الجسم به ولم؟
26 - عندنا ماء صابون قليل تنجس بقطرة بول ووقع ماء الصابون المتنجس في ماء قليل وتغير الماء بماء الصابون قليلا, فهل يجوز استخدام هذا الماء في غسل الثياب ولم ؟
27 - عندنا ثياب نجسة فجاءت امرأة لتغسلها بالغسالة العادية وكان حوضها صغيرا فوضعت الماء الدافئ ثم وضعت الثياب وشغلت الغسالة, فهل طهرت الثياب ولم ؟
28 - عندنا ثياب نجسة فجئنا لنغسلها في غسالة ضخمة يسع حوضها أكثر من قلتين فوضعنا ماء يبلغ 200 كغم ثم وضعنا كمية كبيرة من التايت ثم وضعنا الثياب النجسة ثم شغلنا الغسالة فهل تطهر الثياب ؟
................................................................
22- نعم يجوز, لأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة.
23- لا يجوز, لأنه صار طاهرا غير مطهر, ولا يمنع بلوغه قلتين, لأن العبرة في باب الطاهرات هو التغير الكثير وليس بالقلتين.
24- نعم يجوز, لأنه طاهر في نفسه.
25- لا يجوز, لأن الماء الذي في الإناء قليل غمست فيه نجاسة فتنجس بها.
26- لا يجوز, لأن ماء الصابون صار نجسا بسقوط قطرة فيه, فإذا وقع في الماء الطهور القليل نجسه سواء تغير أم لا, فهنا نعامل ماء الصابون المتنجس معاملة البول ولا نعامله معاملة الطاهرات كي نقول إن تغير قليلا فلا يضر.
27- لا تطهر الثياب, لأن الثياب النجسة وردت على الماء, فهنا النجاسة قد وردت على ماء أقل من القلتين فينجس الماء وتبقى الثياب نجسة فيجب التنبه لذلك.
28- لا تطهر الثياب, لأن الماء قد صار بوضع التايت فيه وتغيره به كثيرا طاهرا غير مطهر فلا يزيل النجس, فالحل إذن هو غسل الثياب النجسة قبل وضعها في الغسالة.
والله تعالى أعلى وأعلم.