رد: حكم قول البائع أعطيك الباقي فيما بعد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
فمن المسائل التي تعم بها البلوى في هذه الأزمان، ويكثر التعامل بها مسألة الشراء من التاجر وإعطاءه الثمن ليرد له الباقي، فأحيانا لا يتيسر وجود فكة عند البائع فيقول له المشتري أرجع إليك بعد مدة وآخذ الباقي، فما حكم هذه الصورة.
أفتى فريق من العلماء الثقات الأثبات بحرمة هذه الصورة، وذلك لاشتمالها على عقد الصرف، لأن إعطاء التاجر خمسمئة ريال مثلا ليرد له الباقي مئتا ريال صرف لم يتوفر فيه شرط التقابض.
أقول: لا شك أن هذا القول فيه قوة وعليه برهان.
ولكن هل يمكن تصحيح المعاملة وتخريجها على عقود أخرى مراعاة لتصحيح العقود ما أمكن وتحقيق العدل بين التزامات المتعاقدين.
هذا مجال للتأمل في هذه الصورة، والذي يظهر والعلم عند الله تعالى أنه يمكن تصحيح المعاملة على أساس عقد القرض، حيث يكون الباقي قرضا في ذمة البائع.
لكن ثمة إشكال في هذا التخريج وهو أن المعاملة حينئذ تكون من باب اجتماع سلف وبيع والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وحديث عتاب بن أسيد رضي الله عنه
والجواب عن هذا الإشكال يكمن في النقاط التالية:
1) هذه الصورة لم تتحقق فيها علة النهي عن الجمع بين البيع والسلف لأنه لم تؤد إلى منفعة زائدة للمقرض كمحابته في الثمن مثلا.
2) القرض في هذه الحالة تابع ومستقل تماما عن عقد البيع وليس مترتبا عليه، بدليل أن عقد البيع قد انعقد بالإيجاب والقبول، ولا يخطر ببال البائع كم سيعطيه المشتري ليرد له الباقي.
3) منفعة القرض هنا متمحضة للمقترض وهو البائع، وليست منفعة للمقرض.
4) لهذه المسألة نظير وهي مسألة بيع الاستجرار ومن صوره إعطاء البائع مبلغا من الثمن مقدما، ثم يأخذ ما يحتاجه شيئا فشيئا، فظاهر المسألة أنها من باب اجتماع السلف والبيع حيث إن الدفعة المقدمة قرض في ذمة البائع.
5) هذا التخريج فيه رفع للحرج، خصوصا وأنها من المسائل التي تعم بها البلوى.
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد . والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.