رد: اشكال في قتل المرتد
أنا ما تركته حتى أرجع إليه ، وبينت مستند تمسكي به.
والمخالفون الذين ذكرناهم ما محلهم من الإعراب؟!
أما عمر فقد تكلمنا في الرواية عنه.
أما أثر ابن مسعود فهو من رواية إسحاق الدبري عن عبد الرزاق، وإنما سمع منه بعد اختلاطه حتى كان يلقن فيتلقن، وليست بقاطعة في تركه القول بقتل المرتد حداً لجواز قيام مانع من إقامة الحد على المذكورين، فأوفق بين قوله وبين الأحاديث والإجماع المنقول ولا أضرب بعضها ببعض.
وبعضهم يدافع عن رواية الدبري عن عبد الرزاق لأنها كتاب. وليس بشيء فإنه سمع منه كتبه بعدما عمي وصار يتلقن، وكان عمره حينها نحو أربع سنين، ولم يكن عبد الرزاق يقرأ كتبه بنفسه لأنه كان قد عمي، فلا ندري أكان يحدث بمصنفاته من حفظه وكان حينها مختلط وهناك من يدس في كتبه ، أما كانت مصنفاته تقرأ عليه ، ونحن لا ندري من كان يقرأ ، ولو لقن أو قُرِءَ له ما ليس في كتابه ما كان الدبري ليميز ذلك وهو ابن أربع سنين ، لذا ربما روى الدبري أحاديث عن عبدالرزاق أنكرها أحمد من حديثه، وهو من أوثق من روى عنه ، وكان اطلع على أصوله.
ويدل على أن في روايته ولو في مصنفه نظر ، أثر سفيان الثوري الذي ذكرتموه محتجين به ، حيث أسقط من إسناده رجلاً وغير لفظه. فقد رواه ابن وهب عن سفيان الثوري عن عمرو بن قيس عن رجل عن إبراهيم بلفظ : "المرتد يستتاب أبداً
كلما رجع" وهذا مع ضعفه لإبهام الرجل بين عمرو بن قيس وإبراهيم موضوع آخر، إذ كلامنا فيمن ارتد ولم يرجع.
ثم إن القول بأنه تعزير ليس لأنه أمر كما افترضتم
ما أدري أين وجدت هذا في كلامي ، ولذي ذكرته عكس هذا تماماً
لا يحسن حمله على التعزير مع استدلالهم بالحديث بصيغة الأمر
أي أن من نقل عنه الحكم على المرتد بالقتل مصرح باستناده إلى حديث (من بدل دينه فاقتلوه) وبالنظر إلى الأمر من حيث هو، فهو يفيد الوجوب، وليس هذا شأن التعزير، وعليه فمن حكم بالقتل واستند إلى الحديث لا يقول بالتعزير، لأن مستنده لا يفيده.
ومثله من احتج بأنه فرض الله وفرض الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقصد التعزير إذ ليس فرضاً.
ويقرب منهم من احتج بحديث (التارك لدينه المفارق للجماعة) لدلالة الإقتران السابق ذكرها.
أما الإستدلال بكتاب الله فكي لا أطيل الكلام عليه وأكتفي بأنه دائر بين ما يقصد بها الكافر الأصلي، فلا مدخل له فيما نحن فيه، وبين عام الدلالة ، وقتل المرتد أخص، ولا تعارض بين عام وخاص.
على أن الخصم يحتج بعمومات من كتاب الله أيضاً، فاستويتم ـ ولا سواء ـ
والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تطبيقه في حق المنافقين.
أقول : وكان مما ترك صلى الله عليه وسلم جلد ابن أبي سلول حد القذف، هيا نجتهد في إنكاره هو أيضاً.
والثالث: أن الصحابة، رضوان الله عليهم، تفاوتوا في تطبيقه.
هذا منكم بناءً على الروايات التي أوردتموها، وجرياً على ضرب بعضها ببعض دون التوفيق بينها. وعلى كل قد قدمنا الكلام عليها بما فيه كفاية إن شاء الله
ومع ذلك لنا أن نقول : هذا من جنس تفاوتهم في ترك بعض الحدود المتفق على كونها حدود كترك قتل عبيد الله بن عمر رضي الله عنه بقتله الهرمزان، وترك علي قتل قتلة عثمان، وما روي من ترك قطع سارق زمن الجوع، وزانية للضرورة، ونحو ذلك.
عدم إقامة الحدود في أرض المعركة، هو مجرد تأخير عند الأكثرين، أو لوجود شبهة تمنع من إقامته كالذي يسرق من الغنيمة لأن له حقا فيها...الخ
ثم أليست المصلحة الآن بترك التلويح بحد الردة، لما عليه المسلمون من ضعف ظاهر في تطبيق هذا الحد، حتى كان التلويح به مغريا بالردة أكثر من تقليلها، لكثرة محبي الشهرة. وفي فتوى الخميني بقتل رشدي أكبر مثال.
أما عن ترك الحد في أرض المعركة فاجعل سببه ما شئت، واجعله تأخيراً أو إلغاءً ، فنقول في عدم إقامة الحد على المنافقين نحوه، مع أن ترك الحد لقيام المانع لا إشكال فيه ، كما لو اجتهد الحاكم في من سرق زمن الجوع ومن زنت للضرورة ، أو قتل لشبهة ، وقد جاء في كل منها روايات.
وقد تقدم معك تركه صلى الله عليه وسلم حد القذف.
أما ترك التلويح بحد الردة إلى آخر ما ذكرتم، فليس هذا هو الموضوع، فليترك السلطان التلويح به إن رأى في ذلك مصلحة، ولكن ليس له إنكاره رأساً.
هذه حادثة أخرى أخي الكريم وليست نفس الرواية التي ذكرنا فلا يحسن جعلك إياهما واحدة.
لم يخفَ ذلك إن شاء الله، ولكنا عملنا بما نصحتمونا به، من حمل المطلق على المقيد، فإنه لا معنى للتقيد بالثلاث إن كان الحكم بعدها كالحكم قبله، ونجعل الرواية المقيدة مفسرة للرواية المطلقة ، وقد حمل ابن عبد البر أمر عمر بالحبس على ذلك من غير قرينة سوى مطلق الأحاديث، فكيف لا يصح حمله عليه مع وجود الرواية عنه رضي الله عنه في نفس الحكم؟!
هذا أيضا خطأ لأن العموم عند الجمهور ظني لا قطعي وهو من أضعف الظواهر
بل الخطأ في فهمكم لكلامنا، إذ لا أخالفكم في كون العام ظني الدلالة ولكن هذا في كون مدلولاته مقصودة للمتكلم لا في كون لفظه دال عليها، فهو قطعي.
أما الأحناف فإني احتججت بقاعدتهم لا بخصوص المسألة ، وبيانه أنهم قائلون بأن العام يقيني الدلالة على أفراده، فلو صح هذا فالحديث يقيني الدلالة على المرتد عندنا وعند الجمهور إذ لا نوافقهم في خروج النساء من الحكم.
أعجب لك تأخذ بدلالة الاقتران وهي من الضعف بمكان عند أهل الأصول
لا تعجب، فإنا لم نستدل بدلالة الإقتران على وجوب الحد، بل جعلناه قرينة على إرادة الوجوب بالأمر، وجعلها قرينة غير الإحتجاج.
وهذا في مسألة لا نحتاج فيه إلى القرينة ، إذ الوجوب مستفاد من الأمر من غير هذه القرينة، غايته أنا قوينا إفادة الوجوب به.
ثم إن أهل الأصول لم يضعفهوا بل اختلفوا فيها ما بين محتج بها ومضعف لها. فإن أردت أن جمهورهم يضعفونها، فهذا لا يليق بكم ذكره في مسألة تخالفون فيها أنتم عامة ما تقدم من السلف الصالح. فكيف تكون الجمهرة حجة لكم علينا ولا تكون حجة لنا عليكم؟!
وتترك القيد المصرح به في الحديث بمفارقة الجماعة وهو من الظهور بمكان.
قد تقدم الكلام عليه وسبب تركنا له فلا نعيده.
الأصل أن تجمع الأحاديث في الباب الواحد ويحمل مطلقها على مقيدها لا أن ينظر بانفراد إلى كل منها.
هذا حيث سلمنا أن أحدهما ظاهر في التقييد، ولا نسلمه، إنما هو قولٌ نقلتموه أنتم عن بعض الشافعية، فلو صح الإلزام به لزمهم هم. ثم لهم أن يخرجوا منه بالاستدلال بعلة الحكم بأن يقولوا : القتل من أجل الخروج من الدين، لا من أجل الدخول في غيره، إذ الكفر كله ملة واحدة. فذكر التبديل ليس بقيدٍ معتبر بل جري على الغالب.
أما نحن فنقول : قال رب العزة : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) وكفى بالله حكما.
هذا ما قدرنا عليه
والله سبحانه أعلم